السؤال
كذبت على الضريبة حتى أهرب منها، فذهب رجل وبلغ عني للضريبة بأشياء تستحقها الضريبة مني وأشياء لا تستحقها. فهل يجوز لي أن أبلغ عنه في شيء أؤذيه فيه أو آخذ من ماله خفية بقدر ما خسرني من مال كذبا وزورا؟
كذبت على الضريبة حتى أهرب منها، فذهب رجل وبلغ عني للضريبة بأشياء تستحقها الضريبة مني وأشياء لا تستحقها. فهل يجوز لي أن أبلغ عنه في شيء أؤذيه فيه أو آخذ من ماله خفية بقدر ما خسرني من مال كذبا وزورا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبداية ينبغي أن تعلم أن الأصل في الضرائب أنها أكل بالباطل لمال المسلم الذي لا يحل إلا بطيب نفس منه، إلا إذا كانت الموارد العامة للدولة لا تفي بحاجة الأمة ومصالحها، وكانت تفرض لسد هذه الحاجة والقيام بتلك المصالح بالفعل، فلا حرج على ولي الأمر في فرضها بالقدر الذي يفي بالغرض دون إجحاف، وعندئذ لا يجوز التهرب منها. وإلا فلا يجوز فرضها أصلا، كما سبق بيانه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 592، 5107، 30305، 65250، 75607، 37158، 26096، 5811، 104364.
وبناء على هذا التفصيل يبنى حكم التهرب منها، فإن جاز فرضها حرم التهرب منها، وإلا فلا.. وبناء على ذلك أيضا يكون حكم الإبلاغ عن من يتهرب منها، فإن جاز التهرب منها حرم الإبلاغ؛ لما فيه من مضارة المسلم والإعانة على أكل ماله بالباطل. وقد سبق التنبيه على ذلك في عدة فتاوى، منها الفتوى رقم: 128835، والفتوى رقم: 124207.
وأما مسألة الإبلاغ بالكذب وبأشياء لا تستحقها الضريبة أصلا، فلا ريب في حرمته على أية حال، وأنه من الظلم البين. فإن وقع ذلك فللمظلوم أن يسعى في رفع الظلم عن نفسه بالطرق الشرعية، ومنها أن يثبت كذب هذا الإنسان وافتراءه عند ذوي السلطان، وبالتالي يستحق عقوبتهم، مع رفع الظلم عن المظلوم. ومنها شكواه لمن يقدر على ردعه واستيفاء الحق منه، فإن لم يجد المظلوم طريقا لاستيفاء حقه، فله أن يستوفيه بأية طريقة متاحة إذا لم يتضمن ذلك ظلماً ولا تعديا، وهو ما يعرف عند الفقهاء بمسألة الظفر، كما سبق أن بيناه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 114794، 106914، 42472، 28871.
وبهذا يعرف السائل أنه لو أراد أن يفعل ذلك فيجب عليه أن يتحرى، بحيث يقطع أنه لن يأخذ إلا حقه أو أقل، فلو تردد في قدر ذلك، وجب عليه أن يترك القدر المشكوك فيه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب الحق: خذ حقك في عفاف، واف أو غير واف. رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.
وبهذا تحصل السلامة من تعدي المثلية المأذون فيها في قوله تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ [النحل:126]، وقوله سبحانه: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:40]، ومبنى هذا الحكم على ما نص عليه أهل العلم في ضمان ما اغتصبه ظالم بسبب إغراء غيره، قال القرافي في (الفروق): اعلم أن أسباب الضمان في الشريعة ثلاثة لا رابع لها: أحدها: العدوان كالقتل والإحراق وهدم الدور وأكل الأطعمة وغير ذلك من أسباب إتلاف المتمولات، فمن تعدى في شيء من ذلك وجب عليه الضمان...
وثانيها: التسبب للإتلاف.. كالكلمة الباطلة عند ظالم إغراء على مال إنسان، فإن الظالم إذا أخذ المال بذلك السبب من الكلام ضمنه المتكلم...
وثالثها: وضع اليد التي ليست بمؤتمنة .. انتهى.
وفي (الإنصاف) للمرداوي: قال الشيخ تقي الدين ـ يعني ابن تيمية ـ: لو غرم بسبب كذب عليه عند ولي الأمر رجع على الكاذب. قلت: وهو الصحيح. انتهى.
ونقله ابن القاسم في حاشيته على (الروض المربع) ثم قال: وكذا لو غرمه شيئًا لقاضٍ ظلما، وله نظائر انتهى.
وكذا قال البهوتي في (شرح منتهى الإرادات) و (كشاف القناع) والرحيباني في (مطالب أولي النهى) ونصه: (ويضمن مغرما أخذه ظالم بإغرائه ودلالته) لتسببه فيه، أفتى به ابن الزيزاني البغدادي، ولعله جواب سؤال فلا يحتج بمفهومه، وأنه يكتفى بالإغراء والدلالة؛ لأنه يصدق عليه أنه تسبب في ظلمه، فهو كالذي بعده. ويضمن (كاذب) ما غرم مكذوب عليه عند ولي الأمر (بسبب كذبه) لأنه تسبب في ظلمه وله الرجوع على الآخذ منه لأنه المباشر. ومثله من شكا إنسانا ظلما فأغرمه شيئا لحاكم سياسي، كما أفتى به قاضي القضاة الشهاب ابن النجار. قال في شرح الإقناع: ولم يزل مشايخنا يفتون به. انتهى.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني