السؤال
فى سن المراهقة كانت لدينا بنت الجيران وكنت على علاقة بها لم تصل إلى الزنا ولله الحمد، ولكنها كانت تأتي عندي فى البيت وكنت أذهب لها، وفى يوم من الأيام علم أبوها بالأمر ولكنها قالت لهم أني أتحرش بها وأنها بريئة. وبناء على ذلك اشتكوا لأبي وغضب مني الجميع ولقد قمت بمضايقتهم كثيراً بعد ذلك من معاكسات ومضايقات وكنت فى غاية الانحطاط والسفالة، ولكن بعد أعوام أنعم الله علي بالتوبة وتبت إلى الله وقررت الذهاب للعمرة وقمت بالاتصال بهم كي أعتذر عما بدر مني وأطلب السماح، فعلمت أن الأب قد مات وقالت لي أمها لقد سامحناك اذهب إلى عمرتك ولكن البنت قالت لي إن أباها وقبل موتة قد دعا الله عز وجل أن ينتقم مني وأنه لم يسامحني قبل موته، وكانت آخر كلماته أن ينتقم الله مني، فذهبت إلى العمرة وتبت إلى ربي واستغفرت لأبيها وقمت بعمل عمرة له أيضا، وتصدقت باسمه بعد ذلك صلح حالى وأنعم الله عز وجل علي بالزوجة الصالحة والذرية وسعة الرزق مع عودتى فى بعض الأحيان إلى المعصية والذنوب ولكني أتوب سريعا فى الحال ولا أمهل نفسى كثيراً فى المعصية. هل ما زال لهم حقوق عندي؟ هل يعود ما فعلت بهم إلي في بناتي وهل رب العالمين يمهلني ولا يهملني؟ وهل ما أنا فيه من خير ونعمة وسعه رزق هي من قبيل متاع الدنيا الذي يعطيه رب العالمين للعاصي حيث إنه سبحانه صرف نظره عني وأعطاني ما أتمنى وهل ليس لي نصيب من الآخرة وأن عذابي فى الآخرة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله سبحانه لك العفو والمغفرة وأن يثبت أقدامك على طريق التوبة والإنابة، وأما عن حقوق هذه الأسرة فما دمت قد تحللت منهم مما وقع منك من ظلم لهم وسامحوك فنرجو أن تكون قد برئت من ذلك فإن هذا من حقوق العباد التي يغفرها الله بفضله ورحمته إذا تنازل أصحابها عنها.
أما عن حق أبيهم الذي مات ولم يسامح فلا شك أن حقه باق ولا يملك أحد من أهله إسقاطه، ولكنا على كل حال نوصيك بالدوام على التوبة والإكثار من الأعمال الصالحة ثم الإكثار من الدعاء لهذا الرجل والاستغفار له، فلعل هذا يكون سبباً في أن يصلح الله بينك وبينه يوم القيامة فإن من عظيم عفو الله ورحمته أنه يصلح بين المؤمنين يوم القيامة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه. فقال له عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟ فقال: رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة، فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي، فقال الله تبارك وتعالى للطالب: فكيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء؟ قال: يا رب فليحمل من أوزاري، قال: وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ثم قال: إن ذاك اليوم يحتاج الناس إلى من يحمل عنهم من أوزارهم، فقال الله تعالى للطالب: ارفع بصرك فانظر في الجنان، فرفع رأسه فقال: يا رب أرى مدائن من ذهب وقصور من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا؟ أو لأي صديق هذا؟ أو لأي شهيد هذا؟ قال: هذا لمن أعطى الثمن، قال: يا رب ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه، قال: بماذا؟ قال: بعفوك عن أخيك، قال: يا رب فإني قد عفوت عنه، قال الله عز وجل: فخذ بيد أخيك فأدخله الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، فإن الله يصلح بين المؤمنين. رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد.
أما ما تذكر من كون هذه النعم استدراجاً لك من الله سبحانه، أو رجوع عاقبة هذا الظلم على بناتك فهذا مما لا علم لنا به وإنما علمه عند اللطيف الخبير جل جلاله، ولكن ينبغي على الإنسان أن يحسن العمل ويستكمل التوبة ثم يحسن الظن بربه أنه قد استجاب له وعفا عنه، فقد ورد في الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي. متفق عليه.
واعلم أن الله ما دام قد يسر لك سبل الطاعات وهداك لها، وصرفك عن سبل المعاصي فهذا دليل واضح إن شاء الله على أنه لا يريد لك في الآخرة إلا الخير وأنه سيستر بناتك في الدنيا ويصلحهن.
والله أعلم.