السؤال
نقيم في إحدى المدن الصغيرة في اليونان وكنا نستأجر مكانا صغيرا للصلاة منذ عشر سنين، ولما ضاق علينا المكان اتفقنا على استئجار مكان آخر متسع، لعدم قدرتنا على شراء قطعة أرض لبناء مسجد واتفقنا على أن نترك المكان القديم وننتقل إلى المكان الآخر الذي هو أكبر، وبعد أن انتقلنا فوجئنا بفئة من الناس قامت بالبقاء في المكان القديم ودفع إيجاره واستمرار الصلاة فيه، وهولا يبعد عن الآخر أكثر من مائة متر ـ فقط ـ وكان ذلك بسبب خلافات أدت إلى الانقسام، مع أن عدد المصلين في الأوقات العادية لا يتعدى 20 وفي الجمعة يمتلئ بالمصلين من جنسيات متعددة مع اختلاف اللغات، ونظرا لأن الخطبة باللغة العربية ولا يفهمها الإخوة الباكستانيون ـ وهم أقل في العدد من الجنسيات العربية ـ قرروا أن يستأجروا مكانا آخر لهم، فهل اختلاف اللغة وعدم فهم الخطبة مبرر لاستئجار مكان آخر للصلاة وتوزيع التبرعات على ثلاثة أماكن مما أثر علينا في دفع الأجرة لثلاث أماكن دون مبرر؟ وطلب مني أحد الباكستانيين أن أساعدهم في تجهيز المكان الذي سيستأجرونه فهل لي أن أساعدهم؟ أم أرفض مساعدتهم وأبين لهم أن هذا يفرق المسلمين ويشتتهم ويضعفهم؟ لأن الأماكن الثلاثة ستظل مغلقة في بعض الصلوات لقلة المصلين أو تشتيتهم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فصلاة الجماعة شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام وهي من مظاهر إظهار وحدة المسلمين واجتماع كلمتهم، ومن ههنا كانت صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله عز وجل، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود والنسائي.
وقد تكلم العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ على حكمة مشروعية صلاة الجماعة فذكر جملة من الحكم منها: التوادُّ بين النَّاسِ، لأنَّ ملاقاةَ النَّاسِ بعضهم بعضاً واجتماعهم على إمامٍ واحدٍ في عبادةٍ واحدةٍ ومكان واحدٍ يؤدِّي إلى الألفة والمحبة.
ومنها: التعارف بين المسلمين.
ومنها: إظهارُ عِزِّ المسلمين إذا دخلوا المساجدَ ثم خرجوا جميعاً بهذا الجَمْعِ.
وإذا كان المسلمون محتاجين إلى الترابط فيما بينهم، وهم في بلادهم فأنتم في بلاد غربة وليست شعائر الإسلام ظاهرة فيها فالأولى أن تحرصوا على وحدة الصف واجتماع الكلمة وأن لا تتركوا للشيطان سبيلا لتفريقكم، فإن التحريش بين المسلمين من أكثر ما يفرح به الشيطان، وقد حثنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم على الوحدة والائتلاف ونبذ الفرقة والاختلاف، فقال تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ {آل عمران:103}.
وقال تعالى: وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ {الأنفال:46}.
وثبت في الصحيح عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تَبَاغَضُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا.
والنصوص في هذا المعنى كثيرة جدا، ومن ههنا، فنحن ننصحكم بأن تحرصوا على كل ما يوحد كلمتكم ويجمع صفكم، وإذا كان يكفيكم مسجد واحد للصلوات المفروضة وكانت المدينة صغيرة بحيث لا يشق الحضور إلى هذا المسجد على بعضكم فاكتفوا بهذا المسجد، ولا ينبغي أن تتخذوا مسجدا آخر إلا إذا ضاق الأول بالمصلين أو كان هذا المسجد بعيدا عن بعضهم بحيث يشق عليه الحضور إليه.
وأما الجمعة: فلها شأن آخر، فإن العلماء كالمتفقين على عدم جواز تعدد الجمعة لغير حاجة في البلد الواحد، ومن ثم، فإن كان يكفيكم مسجد واحد للجمعة لم يجز لكم أن تقيموا الجمعة في غيره، فإن ضاق المسجد بالمصلين جاز لكم اتخاذ مسجد آخر، وأما مع عدم الحاجة فلا، قال ابن قدامة في المغني: فصل: فأما مع عدم الحاجة، فلا يجوز في أكثر من واحد وإن حصل الغنى باثنين لم تجز الثالثة، وكذلك ما زاد، لا نعلم في هذا مخالفا، إلا أن عطاء قيل له إن أهل البصرة لا يسعهم المسجد الأكبر قال: لكل قوم مسجد يجمعون فيه ويجزى ذلك من التجميع في المسجد الأكبر وما عليه الجمهور أولى إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه أنهم جمعوا أكثر من جمعة، إذ لم تدع الحاجة إلى ذلك، ولا يجوز إثبات الأحكام بالتحكم بغير دليل.
انتهى.
وعليه، فيجب عليكم ـ جميعا ـ أن تصلوا في مسجد واحد، ومن كان لا يحسن العربية فلا يسوغ له ترك الجمعة أو إقامة جمعة أخرى لهذا العذر بل عليه أن يجتهد في تعلم العربية، لما لها من الفضل، ولأنه يستعين بذلك على تعلم أحكام الشرع وفهم الدين بصورة أتم، وأيضا، فإن التغلب على هذه المشكلة ممكن، وذلك بأن يقوم أحد المصلين ـ ممن يحسنون اللغتين ـ بترجمة الخطبة بعد انتهاء الصلاة، كما أرشدنا إلى ذلك في الفتوى رقم: 114520.
والله أعلم.