السؤال
سؤالي عن ـ پéرودورال ـ وهي الحقنة التي تستعمل أثناء الولادة كي لا تشعر المرأة بآلام الولادة
وكما ورد في دينينا الحنيف: أن المرأة بعد عملية الولادة وما يترتب عليها من آلام وأوجاع المخاض والولادة يغفر لها ما تقدم من ذنب بحيث تصبح كما لو أنها ولدت من جديد مثل مولودها ـ إن صح ذلك والله أعلم ـ فهل بالموافقة على إجراء هذه الحقنة أحرم نفسي من هذه المغفرة والأجر العظيم؟ وإن كان الأمر كذالك، فهل الأفضل الاستغناء عن هذه الحقنة والخضوع إلى كل أوجاع وآلام الولادة؟ وهل أكون بذلك متعمدة للمشقة؟ مع العلم أن ديننا العظيم دين يسر وجاء لرفع المشقة عن العباد واختيار الطريق الأيسر وما هي نصيحتكم لي؟ مع العلم أنني أخذت موعدا لإجراء هذه الحقنة أثناء الولادة ـ إن شاء الله ـ ويمكنني إلغاء هذا الموعد حسب نصيحتكم.
وجزاكم الله ألف خير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا بد هنا من التمييز بين مقامين: مقام الفريضة، ومقام الفضيلة، ونعني بالأول: الحد الفاصل بين الحلال والحرام.
ونعني بالثاني: الاجتهاد في التمسك بالأفضل والحرص على مزيد الثواب.
وإذا عرف ذلك، فهذه الحقنة إن كانت مسكنة ـ فقط ـ فلا بأس باستعمالها ما لم تكن مضرة، ومرد الحكم في ذلك وتقدير المصلحة من المفسدة يرجع إلى أهل الطب المأمونين، قال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب: إذا كانت المرأة يشق عليها الطلق والولادة وأخذت من الأدوية المباحة ما يعينها على ذلك، فإن هذا لا بأس به وهو من باب التنعم بنعم الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى ـ من كرمه وجوده وفضله ـ يحب لعباده أن يتنعموا بنعمه التي من بها عليهم، ويحب من عبده أن يرى أثر نعمته عليه، واستعمال هذه المسكنات أو المقويات في الطلق أو ما أشبه ذلك من الأشياء المباحة لا بأس به ولا حرج، لأن الله سبحانه وتعالى يحب اليسر لعباده، كما قال الله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ {البقرة: 185}. هـ.
هذا ما يخص المقام الأول.
أما المقام الثاني: فلا شك أن الصبر والاحتساب في ترك استعمال هذه الحقنة أفضل ما لم يؤد ذلك إلى ضرر بالأم أو بالجنين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: التداوي غير واجب، ومن نازع فيه خصمته السنة في المرأة السوداء التي خيرها النبي صلى الله عليه وسلم بين الصبر على البلاء ودخول الجنة، وبين الدعاء بالعافية فاختارت البلاء والجنة.
وخصمه حال أنبياء الله المبتلين الصابرين على البلاء حين لم يتعاطوا الأسباب الدافعة له مثل: أيوب عليه السلام وغيره.
وخصمه حال السلف الصالح كأبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ حين قالوا له: ألا ندعو لك الطبيب؟ قال: قد رآني، قالوا: فما قال لك؟ قال: إني فعال لما أريد.
ومثل هذا ونحوه يروى عن الربيع بن خثيم وعمر بن عبد العزيز وخلق كثر لا يحصون عددا. هـ.
وذكر ابن حجر في فوائد حديث المرأة السوداء في فتح الباري: أن الصبر على بلايا الدنيا يورث الجنة وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة ولم يضعف عن التزام الشدة، وفيه دليل على جواز ترك التداوي، وفيه أن علاج الأمراض كلها بالدعاء والالتجاء إلى الله أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير، وأن تأثير ذلك وانفعال البدن عنه أعظم من تأثير الأدوية البدنية، ولكن إنما ينجع بأمرين:
أحدهما: من جهة العليل ـ وهو صدق القصد ـ والآخر من جهة المداوي وهو قوة توجهه وقوة قلبه بالتقوى والتوكل. هـ.
وبهذا يتبين أن من قوي توكله وحسن ظنه بالله ووطن نفسه على الرضا بأقدار الله تعالى ـ أيا كانت ـ فالأفضل في حقه الصبر على الألم وعدم التداوي ما لم يبلغ به حد الضرر والهلاك، وأما من ضعفت نفسه وخشي عليها الجزع أو التسخط، فالأفضل أن يأخذ بالأيسر ولا يكلف نفسه ما يغلبها، وهو مع هذا فاعل لما يحب الله تعالى وآخذ برخصته سبحانه، كما تقدم في كلام العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ وراجعي للفائدة الفتويين: 30645 ورقم: 43960.
وأما عن ثواب الحمل والوضع: فقد سبق أن ذكرنا طرفا منه في الفتوى رقم: 21797.
ثم إننا ننبه السائلة على أننا لم نقف على حديث يفيد أن المرأة يغفر لها ما تقدم من ذنبها بسبب آلام وأوجاع المخاض والولادة .
والله أعلم.