السؤال
أريد أن أسأل سؤالا يخص شروط التوبة : قد علمنا أن من شروطها إصلاح ذات البين ورد المظالم إلى أهلها، إذا كان هؤلاء الأشخاص الذين ينبغي الاعتذار لهم ممن يستهزؤون بالدين والشريعة وممن لا يقيمون الدين على حرف؟ وأرى أنه من الطبيعي ـ جداً ـ أن تقع خلافات وخصومات ومظالم مع هؤلاء الذين لا يستنون بسنة الرسول ولا يهتدون بهديه ولا يحتكمون إلى القرآن، فهل يدخلون في سياق من ينبغي رد المظالم إليهم؟ مع العلم أنهم ليسوا أهلا لذلك ولا يقبلون العذر، ولكنهم ممن يحبون الفتنة وإثارتها وربما كان طلب العفو منهم علامة ضعف ـ على حد قولهم ـ فيزدادون جرما على جرم وظلما على ظلم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن التحلل من المظلوم شرط في صحة التوبة من الذنوب التي تتعلق بحقوق الآدميين، كما قال النووي ـ رحمه الله ـ في الرياض.
وفي صحيح البخاري مرفوعاً: من كانت له مظلمة لأحد ـ من عرضه أو شيء ـ فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه.
وحقوق الآدمي إذا كانت مما يستوفى كمال أخذ بالسرقة أو الغصب يجب ردها لأصحابها أو استسماحهم، وأما ما تعلق بالإذاية الكلامية كالغيبة أو السب، فقد رجح شيخ الإسلام وابن القيم: أنه يكتفى فيه بالدعاء للمظلوم والاستغفار له، وقد قدمنا الكلام على ذلك في الفتوى رقم: 127747.
واعلم أن المستهزئ بالدين يعتبر كافراً، لقوله تعالى: وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ* لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ { التوبة: 65-66}.
فإن كان كلامكم معه يثيره فيسب الدين، فلا يشرع أن تسبوه إذا كان سيرد عليكم بما فيه سب للدين، لقوله تعالى: وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ { الأنعام: 108}.
وأما إن كان هو سبكم أو سب الدين فرددتم عليه، فلا إثم عليكم، ولا يلزمكم الاعتذار له، لما في الحديث: المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم. رواه مسلم وأبو داود، والبخاري في الأدب المفرد.
وعليكم بالحرص على هداية هؤلاء القوم والدعاء لهم ومحاولة إقناعهم بالبراهين الشرعية والعقلية وبيان أن دين الله هو حكم وتشريع خالقنا الرحيم بنا العليم بمصالحنا وأنه تتحقق لمن تمسك به سعادة الدنيا والآخرة وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 119222، 118350، 31768، 125295، 32949.
والله أعلم.