السؤال
كيف نوفق بين الآية الكريمة: إن أكرمكم عند الله أتقاكم. وبين إنزال الناس منازلهم مثل إكرام رسول الله صلى الله عليه وسلم لرئيس القبيلة والملك والغني وغيرها. وكيف نقيم الناس في حياتنا اليومية على أساس الدين أم على أسس أخرى؟
كيف نوفق بين الآية الكريمة: إن أكرمكم عند الله أتقاكم. وبين إنزال الناس منازلهم مثل إكرام رسول الله صلى الله عليه وسلم لرئيس القبيلة والملك والغني وغيرها. وكيف نقيم الناس في حياتنا اليومية على أساس الدين أم على أسس أخرى؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه لا تعارض بين الآية والحديث، فصاحب التقوى أفضل من غيره مهما كانت منزلته عند الناس كما تدل عليه الآية، وتقديم صاحب التقوى في عدة نصوص منها قوله صلى الله عليه وسلم في اختيار الزوجة الصالحة: فاظفر بذات الدين تربت يداك. وقال صلى الله عليه وسلم في شأن الأزواج: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه. رواه الترمذي.
وأما إنزال الناس فقد ورد فيه حديث ضعيف وهو حديث: أنزلوا الناس منازلهم.
وقد رواه أبو داود بسنده عن ميمون بن أبي شبيب عن عائشة.
وقال أبو داود: ميمون لم يدرك عائشة. انتهى.
فدل هذا على انقطاع السند ولذا ضعفه الألباني والمناوي بسبب انقطاع سنده.
والحديث يفيد إعطاء كل ذي حق حقه وأن يرفع ذو القدر والمكانة، ومن المعلوم عند المسلمين أن مكانة المتقي يقتضي رفع منزلته وأن منزلته هي أرفع المنازل.
قال صاحب عون المعبود: أنزلوا الناس منازلهم أي عاملوا كل أحد بما يلائم منصبه في الدين والعلم والشرف. انتهى.
وقال المناوي: أنزلوا الناس أي احفظوا حرمة كل واحد على قدره وعاملوه بما يلائم حاله في عمر ودين وعلم وشرف، فلا تسووا بين الخادم والمخدوم والرئيس والمرؤوس فإنه يورث عداوة وحقدا في النفوس. انتهى.
وكلام الشيخين السابق يدل على تقديم مكانة الدين والعلم، فلو اجتمع ذو مكانة دينية مع صاحب مكانة دينوية فمقتضى الحال والشرع يقتضي رفع مكانة صاحب الدين على غيره.
وقال المناوي في فيض القدير: روى أن قوما من الأشراف فمن دونهم اجتمعوا بباب عمر رضي الله عنه فخرج الإذن لبلال وسلمان وصهيب فشق على أبي سفيان وأضرابه، فقال سهيل بن عمرو وكان أعقلهم: إنما أتيتم من قبلكم دعوا ودعينا فأسرعوا وأبطأنا، وهذا باب عمر فكيف التفاوت في الآخرة، ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعد لهم في الجنة أكثر. انتهى.
وبهذا يعلم أن اعتبار الدين في تقويم الناس هو الاعتبار الأول ففي صحيحي البخاري ومسلم عن سهل رضي الله عنه قال: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما تقولون في هذا؟ قالوا: أحرى إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع وإن قال أن يسمع، قال ثم سكت فخرج رجل من فقراء المسلمين فقال ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع وإن قال أن لا يسمع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا. انتهى.
وأما الاعتبارات الأخرى فلا مانع منها ولكن الدين هو المقدم دائما.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني