الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

همسة هادية لإزالة الحاجز النفسي من الحجاب

السؤال

أحب مساعدتكم في موضوع أرهقني كثيرا، فأنا فتاة غير متحجبة طوال عمري وكل من أعرف غير محجب إلا القليل، حتى الأقارب بعضهم محجب والآخر غير محجب، ولكن لم يكن الحجاب قط محور نقاش حاد فيمن حولي وترعرعت في المملكة العربية السعودية وكان الزي المتعارف عليه هو العباية، ولكن من الممكن أن أكشف شعري وحتى غطاء الشعر أصبح كالموضة ولم يكن ذلك يعجبني فكنت أشعر أنني أريد أن أكون واضحة: إما أن أتحجب وإما أن لا أتحجب، ولم يكن أي شيء حولي يشجعني أن لا أتحجب نشأت في وسط عادي غير محافظ كثيرا، ولكننا غير متحررين نهتم بالأساسيات كالصلاة والزكاة والصيام وغيرها ولم أرتكب من الكبائر أي شيء ـ والحمد لله ـ أحب الله كثيرا ولم أفوت يوما واحدا من رمضان وعملت من العمرات الكثير ـ والحمد لله ـ وعندما تخرجت من المدرسة وذهبت لأدرس في الجامعة في بلدي فلسطين كانت حياتي صعبة هناك وواقع الحرب جعل الظروف تصعب شيئا فشيئا وتعرضت لظلم الناس لي، لأنني لم أكن محجبة، وإلى الآن أعاني من آثار الضغط النفسي الذي عشته هناك، ولكونهم جعلوني أرى نفسي وكأنني إنسانة سيئة في حين أنني ـ والحمد لله ـ قريبة من الله حتى وإن لم أكن محجبة، ولكن بعد سنتين تقريبا من مكوثي في فلسطين قررت أن أتحجب لأتقرب من الله، لأنه كان صديقي الوحيد حينها وكنت أعلم بأنني سأتعب وأعاني وسوف أشعر بأنني مختلفة عن غيري من الفتيات اللتي أحبهن وأعاشرهن طوال الوقت فمجتمع فلسطين المحافظ وظروف الحرب ساعدتني على اتخاذ هذا القرار، حيث إن مغريات الحياة قليلة وفرص الترفيه شبه معدومة والحرب تجعل النفوس مضطربة وكان هناك صديقات يشجعنني ويحببني لما أنا عليه بغض النظر عن كوني محجبة أو لا فقررت أن أتحجب وأنا أعلم بأنني سوف أكون من القلة المحجبة في الوسط الذي أعيش فيه، ولكن بعد 4 سنين من حجابي شاءت الظروف أن أتزوج وأنتقل إلى بلد أجنبي كافر وأنا الآن ـ بدلا من أن أحاول أن أطور حجابي الذي لا يعتبر مثاليا ـ أعاني من وضعه في هذا البلد المليء بالكافرين الذين اعتادوا على عدم وضع الحجاب وأنا أعلم بأن هذا حرام وأنه من هوى نفس، ولكنني تعبت جدا جدا جدا ولا يمكن أن تتخيلوا لأي درجة كنت أعيش في وسط يساعدني، لأنه أقوى على نفسي مهما كانت، ولكنني الآن أحن لما كنت عليه وأشعر بمزيد من الضغط النفسي وكأن الحجاب أصبح الآن مؤشرا للناس ليحكموا عليك إن كنت جيدا أم لا إن كنت صالحا أم طالحا، وأنا الآن أدافع عن الإسلام وأحاول أن أنشره بين الناس هنا في هذا البلد الكافر بالمعاملة الحسنة والأخلاق الجيدة، فهل إن نزعت حجابي أصبح سيئة؟ وأنا أعلم بأنني مخطئة في ذلك، ولكنني أشعر وكأنني منافقة، لأن حجابي غير كامل وأشعر بنفسي عالقة في المنتصف ـ لست سافرة ولست محجبة ـ فحجابي لا تتوافر فيه مواصفات الحجاب الشرعي، لأنني ـ وبصراحة ـ لا أستطيع أن أضع الحجاب الشرعي الكامل، لأنه لا شيء من حولي يساعدني ولا أشعر أنني قوية لهذه الدرجة، وفي نفس الوقت حجابي غير كامل ولا أشعر أنه يستحق المعاناة التي أعانيها منذ أن انتقلت من فلسطين وأشعر ـ في بعض الأحيان ـ أن نزعه قد يكون أفضل لأنني بهذا أشوه صورة الحجاب الأصلي فحين أتعرض لبعض الأسئلة في البلد الكافر أجاوبهم بأنني أغطي شعري، لأنني محجبة، ولكنني أوضح لهم ـ أيضا ـ بأن حجابي غير كامل وأنه يجب علي أن ألبس ملابس فضفاضة أكثر، وأنا مخلصة لديني وأحبه وأعتز به، ولكن موضوع الحجاب هذا يتعبني جدا ويرهقني ويجعلني أبكي وأبكي كلما أفكر فيه ولا أعلم ماذا أفعل؟ وأنا عالقة ـ لا أنا محجبة ولا أنا سافرة كما تعودت أن أكون ـ وأنا لا أريد أن أكشف جسدي، وملابسي ساترة ـ والحمد لله ـ ولكنني لا أرتاح لتغطية شعري ولا أشعر بأنني أنا، بل أشعر وكأنني أمثل، لأكون أفضل أو أحسن في حين أنه في داخلي لا شيء يتغير، لأنني مقتنعة بأن الشكل والمظهر ليس المقياس الوحيد للحكم على الآخرين، بل هناك الكثير من الأشياء ينبغي أن نهتم بها في ديننا وليس فقط المظهر، فما الفائدة من كوني محجبة مثلا؟ ولكنني منافقة أو أمارس النميمة أو الغيبة أو أو أو لا أعلم ماذا أفعل؟ أرجوكم أرشدوني ماذا أفعل؟ لا أجد نفسي مع الحجاب ولا شيء من حولي يساعدني لأتمسك به أو أحسنه وأنا أحاول وأحاول، ولكنني تعبت جدا ولا أشعر بالسعادة في داخلي لست راضية عن نفسي وأعلم أنني قد لا أكون سعيدة في نزعه أيضا، ولكنني ـ على الأقل ـ لا أشعر بأنني أنافق أو أنني في منتصف الطريق.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فجزاك الله خيرا في حرصك على الطاعات والمحافظة على الفرائض والواجبات، ونسأل الله تعالى أن يعينك ويزيدك هدى وتقى، والحجاب فريضة شرعية يجب على المرأة المسلمة الالتزام بها، وراجعي الفتوى رقم: 5413.

وإذا كانت المرأة مفرطة في هذا الجانب فهي مسيئة من هذه الجهة ومحسنة من جهة ما أحسنت فيه، فلا يقال عنها إنها سيئة هكذا بإطلاق.

واعلمي أن فرضية الحجاب يستوي فيها كون المرأة في بلاد الكفر وكونها في بلاد الإسلام، فلا يجوز للمرأة نزعه أو التساهل فيه لمجرد كونها في بلاد الكفر، بل عليها أن تصبر ابتغاء مرضات الله تعالى وانظري الفتويين رقم: 19071، ورقم: 39004.

وإذا كنت لا تستطيعين إقامة دينك في بلاد الكفر فلا تجوز لك الإقامة هنالك بل تجب عليك الهجرة منه، وراجعي حكم الهجرة بالفتوى رقم: 12829. فحاولي إقناع زوجك بالهجرة بكم إلى بلد مسلم، فإن لم يقتنع وكانت بك ضرورة أو حاجة شديدة للبقاء في بلاد الكفر فلا حرج عليك في ذلك وننصحك ـ حينئذ ـ بلزوم البيت وعدم الخروج منه إلا لضرورة أو حاجة لا بد لك منها، فإذا خرجت فالواجب عليك الستر على الوجه المشروع، ولا يجوز لك خلع الحجاب مجاملة لأحد أو خوفا من سخرية الناس، بل عليك أن تصبري، واعلمي أن معك في هذا الطريق نساء الصحابة والمؤمنات الصالحات فلا تستوحشي وإن خشيت الضرر عند خروجك من البيت فاتقي الله ما استطعت واستري ما يمكنك ستره، وللفائدة يمكنك مطالعة الفتويين رقم: 64642، ورقم: 60139.

ولا يشترط في الحجاب لون معين من الثياب فكل ما تحققت فيه شروط اللباس الشرعي كان صالحا لأن يكون حجابا، وراجعي شروط لباس المرأة بالفتوى رقم: 5521.

والشكل والمظهر وإن كان ليس بالمقياس الشرعي الوحيد إلا أنه مطلوب شرعا، فالذي أمر بنقاء المخبر هو الذي أمر بصلاح المظهر ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. فذكر الأعمال مع القلوب.

وأما ما ذكرت من أنك إما أن تتحجبي حجابا كاملا وإما أن لا تتحجبي أصلا، فالحجاب الكامل هو الواجب ـ كما ذكرنا ـ ولكن لا تستوي من لبست من اللباس ما تستر به الكثير من جسدها مع من لبست لباسا ما تكشف معه الكثير من جسدها كشعرها وساقيها وذراعيها.

وفي الأخير ننبهك إلى أن التعبير: (لأنه كان صديقي الوحيد) والذي أطلقته في حق الله لا يسوغ شرعا فعلاقة العبد بربه علاقة خالق بمخلوق وعبد بمعبود، فلا يليق فيها هذا الإطلاق بحال.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني