السؤال
سؤالي يتعلق بإحدي صديقاتي، قد توفي عنها زوجها منذ عدة سنوات، وهي تعمل ولها ثلاثة أبناء؛ ولد وبنتان، لها ولهم ميراث من الزوج المتوفى، وهي تقوم بالصرف على الأبناء من مرتبها، وعائد الميراث موضوع في أحد المصارف تحصل عليه عند بداية دخول المدارس لدفع المصاريف، وكذلك تنفق منه في الذهاب للمصيف للترفيه عن الأبناء، وقد يختلط هذا المال مع مالها الخاص والذي قد ينفق في بعض المجاملات مثل دعوة بعض الأهل للزيارة أو الصديقات كهدايا في بعض المناسبات.
و هي قلقة من أن يكون في اختلاط المال الخاص بالأبناء مع مالها أو إنفاقة في الترفية عنهم أو بعض المجاملات، حيث إنها لا تقوم بفصل الأموال عن بعضها فإنها تخشى أن تكون من أضاع الأمانة، فأنني أرجو منكم الإفادة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كان هؤلاء الأبناء قصراً كما هو المفهوم من سؤالك ، فلا يجوز التصرف في أموالهم التي ورثوها إلا للولي على أموالهم ، ويستحب للولي على أموالهم أن ينميها لهم، ويجب عليه أن ينفق عليهم ما احتاجوا إليه من طعام وكسوة وسكن وعلاج وتعليم من أموالهم بالمعروف ، ولا حرج في التوسعة عليهم في المناسبات التي تتطلب ذلك كالعيد، لما يترتب على ذلك من إدخال الفرح إلى قلوبهم . قال الحطاب في مواهب الجليل: قال مالك: وليوسع عليهم ولا يضيق، وربما قال: أن يشتري لهم بعض ما يُلهيهم به وذلك مما يُطَيِّب به نفوسهم . اهـ .
ويجب على الولي أن يتصرف في نصيب كل يتيم بالأحظ له ، فإذا كان الأولاد متفاوتين تفاوتا كبيرا بحيث يحتاج أحدهم إلى نفقة كثيرة، والآخر إلى نفقة قليلة، فينبغي حينئذ تمييز نصيب كل واحد، وينفق عليه منه، ولا يخلط مال بعضهم ببعض؛ لأن مثل هذه الخلطة تضر ضررا بينا ببعضهم ، وهذا خلاف ما يؤمر به الولي من مراعاة مصلحة اليتيم والعناية بماله وعدم التصرف فيه إلا بالتي هي أحسن، وأما إذا كانت نفقتهم متقاربة ولا تفاوت كبير بينهما فلا حرج على وليهم في الإنفاق عليهم من المال قبل تمييز نصيب كل واحد ، والذي ننصح به أن يتم تقسيم الميراث كله القسمة الشرعية، وتمييز ما لكل وارث من حق فيه ؛ لأن في ذلك حفظاً للحقوق. وأما خلط الولي ماله بمال الأيتام فهو جائز إذا كان على وجه لا يضر بهم.
لما رواه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لَمَّا أَنْزَلَ الله عز وجل { ولا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } وَ { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا } الْآيَةَ انْطَلَقَ من كان عِنْدَهُ يَتِيمٌ فَعَزَلَ طَعَامَهُ من طَعَامِهِ وَشَرَابَهُ من شَرَابِهِ فَجَعَلَ يَفْضُلُ من طَعَامِهِ فَيُحْبَسُ له حتى يَأْكُلَهُ أو يَفْسُدَ فَاشْتَدَّ ذلك عليهم فَذَكَرُوا ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ الله عز وجل {وَيَسْأَلُونَكَ عن الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لهم خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } فَخَلَطُوا طَعَامَهُمْ بِطَعَامِهِ وَشَرَابَهُمْ بِشَرَابِهِ .
ويمكنك مراجعة بعض الضوابط والأحكام في شأن أموال الأيتام في الفتاوى الآتية أرقامها : 32551 ، 37701 ، 37220، 28545 ، 96062 ، 118824.
فعلى صديقتك إذا كانت هي من تلي أموال أولادها أن تتصرف فيها وفق المصلحة بالضوابط التي بيناها، ولا حرج أن توسع عليهم وترفه عنهم بما لا يضر بأموالهم ، ولا حرج عليها في خلط أموالهم بمالها إذا كان ذلك على وجه الإصلاح ، ولا يجوز لها أن تهدي أو تجامل من أموالهم .
وننبه إلى أنه يجوز إيداع الأموال في المصارف الإسلامية الملتزمة بالضوابط الشرعية، ولا يجوز إيداعها في المصارف الربوية ويجب سحبها منها ، وإن نشأ عن ذلك فوائد ربوية فيجب التخلص منها بصرفها في وجوه الخير العامة.
والله أعلم.