السؤال
لقد قرأت أن الشوكاني، وابن حزم الظاهري أقروا أن القيء ليس نجسا، وقرأت أن السادة المالكية أقروا أن القيء إن لم يتغير عن أصله فليس نجسا، وأن من قال بنجاسة القيء قد اعتمد على حديث أبطله النووي وضعفه الشوكاني. أرجو معرفة هل ما قرأت صحيح ؟
لقد قرأت أن الشوكاني، وابن حزم الظاهري أقروا أن القيء ليس نجسا، وقرأت أن السادة المالكية أقروا أن القيء إن لم يتغير عن أصله فليس نجسا، وأن من قال بنجاسة القيء قد اعتمد على حديث أبطله النووي وضعفه الشوكاني. أرجو معرفة هل ما قرأت صحيح ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهاهنا أمور لا بُد من بيانها:
أولاً: الظاهرُ أن من نسب القول بطهارة القيء إلى ابن حزم غالطٌ عليه، فلم نر -حسب اطلاعنا- نصا لأبي محمد ابن حزم -رحمه الله- صرح فيه بطهارة القيء، بل رأينا له عكس ذلك.
ففي المحلى قال ابن حزم: وَالْقَيْءُ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ حَرَامٌ يَجِبُ اجْتِنَابُهُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ. وَإِنَّمَا قَالَ عليه السلام ذَلِكَ عَلَى مَنْعِ الْعَوْدَةِ فِي الْهِبَةِ. انتهى.
فقوله: (يجبُ اجتنابه) يدل على أنه يرى نجاسته، لأنه لا يجب اجتناب إلا ما كان نجسا.
وقال أيضاً في معرض استدلاله على أن الماء القليل لا ينجس بملاقاة النجاسة: وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ يَنْجَسُ بِمُلاَقَاةِ النَّجَاسَةِ لَلَزِمَ إذَا بَالَ إنْسَانٌ فِي سَاقِيَةٍ مَاء أَلاَّ يَحِلَّ لأحد أَنْ يَتَوَضَّأَ بِمَا هُوَ أَسْفَلُ مِنْ مَوْضِعِ الْبَائِلِ, لأن ذَلِكَ الْمَاءَ الَّذِي فِيهِ الْبَوْلُ أَوْ الْعَذِرَةُ مِنْهُ يَتَوَضَّأُ بِلاَ شَكٍّ, وَلَمَا تَطَهَّرَ فَمُ أَحَدٍ مِنْ دَمٍ أَوْ قَيْءٍ فِيهِ, لأن الْمَاءَ إذَا دَخَلَ فِي الْفَمِ النَّجِسِ تَنَجَّسَ وَهَكَذَا أَبَدًا. انتهى.
فهذا النقل واضح الدلالة جدا في أنه يرى نجاسة القيء، ولذا فالذي يظهرُ لنا أن ابن حزم رحمه الله يوافقُ سائر العلماء في القول بنجاسة القيء، ومن ادعى غير هذا فعليه أن يأتي بالبينة من كلامه رحمه الله، ثم إن فُرض أنه قال في موضع آخر بطهارة القيء، فيكون هذا قولا ثانياً له، ولا يُجزمُ بأن مذهبه طهارة القيء.
ثانياً: ما ذكرته من أن الشوكاني يقول بطهارة القيء، فإنه صحيح النسبة إليه، وقد قرره في السيل الجرار.
فقال معلقاً على قول صاحب حدائق الأزهار: وقيء من المعدة ملأ الفم دفعة: أقول: قد عرفناك في أول كتاب الطهارة أن الأصل في جميع الأشياء هو الطهارة، وأنه لا ينقل عن ذلك إلا ناقل صحيح صالح للاحتجاج به غير معارض بما يرجح عليه أو يساويه، فإن وجدنا ذلك فبها ونعمت، وإن لم نجد ذلك كذلك وجب علينا الوقوف في موقف المنع، ونقول لمدعي النجاسة هذه الدعوى تتضمن أن الله سبحانه أوجب على عباده واجبا هو غسل هذه العين التي تزعم أنها نجسة، وأنه يمنع وجودها صحة الصلاة بها فهات الدليل على ذلك.
فإن قال: حديث عمار: إنما تغسل ثوبك من البول، والغائط، والقيء، والدم، والمني. قلنا هذا لم يثبت من وجه صحيح ولا حسن ولا بلغ إلى أدنى درجة من الدرجات الموجبة للاحتجاج به والعمل عليه، فكيف يثبت به هذا الحكم الذي تعم به البلوى وهو لا يصلح لإثبات أخف حكم على فرد من أفراد العباد؟.فإن قال: قد ورد أنه ينقض الوضوء كما سيأتي. قلنا: فهل ورد أنه لا ينقض الوضوء إلا ما هو نجس؟ فإن قلت: نعم، فأنت لا تجد إليه سبيلا، وإن قلت قد قال بعض أهل الفروع إن النقض فرع التنجيس. قلنا: فهل هذا القول من هذا البعض حجة على أحد من عباد الله؟ فإن قلت: نعم، فقد جئت بما لم يقل به أحد من أهل الإسلام، وإن قلت: لا، قلنا: فما لك والاحتجاج بما لم يحتج به أحد على أحد. انتهى.
ثالثاً: ما ذكرته عن مذهب المالكية من أن القيء لا ينجس إلا إذا خرج متغيرا هو مذهبهم، وانظر الفتويين رقم: 119872، 33258.
رابعاً: وما ذكرته من أن القائلين بنجاسة القيء احتجوا بحديث ضعيف، والمرادُ به حديث عمار، وقد تقدم ذكره في كلام الشوكاني، وضعفه متفقٌ عليه بين المحدثين، وجواب ذلك أن هذا الحديث الضعيف ليس وحده هو عمدة القائلين بنجاسة القيء، بل استدلوا أيضاً بالقياس قالوا: إن شأن المعدة الإحالة، فهو طعام استحال في الجوف إلى النتن والفساد، فكان نجسا كالغائط.
وأما القيء غير المتغير، فالأحوط غسله والتنزه عنه، وإن كان لقول المالكية هاهنا اتجاه.
والله أعلم
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني