السؤال
نحن جمعية دينية نعمل لبناء مسجد، علما بأن المساجد في بلادنا تبنى عن طريق التبرعات من عامة المسلمين، سؤالي: هل يحق للجمعية أن تكافئ هؤلاء المحسنين بإعطائهم جوائز تقديرية، من الإخوة من اعترض وقال متى كان المعروف بالجوائز أي بالشهادات؟
وشكراً لكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا ينبغي فعل ذلك حتى لا تشوب النوايا شائبة، فالأصل أن المتبرع هنا ينتظر المكافأة من الله ويفعل ذلك بغير طلب تقدير من أحد في الدنيا، وفي منح هذه الجوائز ذريعة إلى بعض الدخن في نية المتبرع، ومن تأمل النصوص الشرعية في القرآن والسنة وجدها ترغب في فعل الخير ابتغاء مرضاة الله ولا تعد إلا بالجنة وما هو من أمور الآخرة مما يعين على الإخلاص والابتعاد عن العجب والرياء، فينبغي تعليق النفوس دائماً برضا الله، وترغيبها في الخير بذكر المرغبات الشرعية الواردة في الكتاب والسنة، ومن كانت نيته الآخرة فآية تهديها له ترغبه في الخير أو حديث يحثه على الصدقة كل ذلك عنده خير من الدنيا وما فيها، ولنتأمل بعض ما ورد من شهادات التقدير الآخروية، كما في قوله تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. {البقرة:265}. وكقوله تعالى: وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ. {البقرة:272}. وكقوله تعالى: لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا. {النساء:114}. وكما في قوله تعالى: وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى* الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى* وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى* إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى* وَلَسَوْفَ يَرْضَى. {الليل17-21}.
وفي السنة الصحيحة وفي بناء المساجد عن عثمان بن عفان قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من بنى مسجداً لله تعالى يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة. رواه البخاري ومسلم.
وحثت السنة من أنفق شيئاً ألا يميز نفسه عن غيره من الناس لأنه أنفق، ومعناه ألا يطلب على فعله غير ثواب الآخرة، ففي قصة حصار عثمان بن عفان رضي الله عنه عند وفاته عن ثمامة بن حزن القشيري قال: شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان فقال: ائتوني بصاحبيكم اللذين ألباكم علي، قال: فجيء بهما فكأنهما جملان أو كأنهما حماران، قال: فأشرف عليهم عثمان فقال: أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومه، فقال: من يشتري بئر رومه فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة فاشتريتها من صلب مالي فأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب حتى أشرب من ماء البحر، قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير منها في الجنة. فاشتريتها من صلب مالي، فأنتم اليوم تمنعوني أن أصلي فيها ركعتين، قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير مكة ومعه أبو بكر وعمر وأنا فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته بالحضيض قال فركضه برجله وقال: اسكن ثبير فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان، قالوا: اللهم نعم، قال: الله أكبر شهدوا لي ورب الكعبة أني شهيد ثلاثاً. رواه الترمذي والنسائي وحسنه الألباني.
والأمثلة كثيرة في القرآن والسنة في تحفيز المسلم على البذل وتعليق النفوس بالجنة وبما عند الله، فاجمعوا ما ورد من فضائل في بناء المساجد والبذل في سبيل الله في كتاب صغير الحجم ووزعوه، وفي كتاب الترغيب والترهيب للحافظ المنذري الشيء الكثير من نصوص السنة التي تشجع على البذل والإنفاق، ونسأل الله لكم التوفيق والإعانة وأن يفتح لكم من أبواب الخير والإنفاق ما ييسر عملكم، وفي الفتوى رقم: 50816 بعض المسائل المتعلقة بأعمال الجمعيات الخيرية.
والله أعلم.