الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا إثم عليكِ في فطرك لأجل الحمل والرضاعة إذا كان الغالب على ظنكِ أنكِ تتضررين بالصوم أو يتضرر به ولدك، وليس من شرط حصول غلبة الظن بالتضرر مراجعة الطبيبة، بل إن ذلك قد يُعرف بالعادة والتجربة.
قال الشيخ العثيمين رحمه الله: الحامل لا تخلو من حالين :
إحداهما: أن تكون نشيطة قوية لا يلحقها مشقة ولا تأثير على جنينها، فهذه المرأة يجب عليها أن تصوم؛ لأنها لا عذر لها في ترك الصيام.
والحال الثانية: أن تكون الحامل غير متحملة للصيام: إما لثقل الحمل عليها، أو لضعفها في جسمها، أو لغير ذلك، وفي هذه الحال تفطر، لاسيما إذا كان الضرر على جنينها، فإنه قد يجب الفطر عليها حينئذ.
وإذا أفطرت فإنها كغيرها ممن يفطر لعذر يجب عليها قضاء الصوم متى زال ذلك العذر عنها ، فإذا وضعت وجب عليها قضاء الصوم بعد أن تطهر من النفاس، ولكن أحياناً يزول عذر الحمل ويلحقه عذر آخر وهو عذر الإرضاع ، وأن المرضع قد تحتاج إلى الأكل والشرب لاسيما في أيام الصيف الطويلة النهار، الشديدة الحر، فإنها قد تحتاج إلى أن تفطر لتتمكن من تغذية ولدها بلبنها، وفي هذه الحال نقول لها أيضاً: أفطري فإذا زال عنك العذر فإنك تقضين ما فاتك من الصوم. انتهى.
والواجبُ عليكِ الآن حسابُ الأيام التي أفطرتها في هذه الرمضانات، ثم تقضينَ هذه الأيام عند الاستطاعة.
وإن كان فطركِ لأجل الولد فعلى وليه إطعام مسكين عن كل يوم أفطرته وهذا مذهب الحنابلة وهو المُفتى به عندنا وانظري الفتوى رقم: 23535والفتوى رقم: 10224.
ولا يلزمكِ التتابع في قضاء رمضان، بل يجوز أن تصومي أيام القضاء متفرقة أو متتابعة، وإن كان التتابع أولى.
جاء في المغني: وقضاء شهر رمضان متفرقا يجزئ، والمتتابع أحسن، هذا قول ابن عباس، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وابن محيريز وأبي قلابة ومجاهد وأهل المدينة والحسن وسعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبه وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق. انتهى.
وانظري الفتوى رقم: 12324.
وأما الفدية فمقدارها مُد من طعام عن كل يوم أفطرته إذا كان فطركِ لأجل الولد، وعند الحنابلة أن الفدية مُد من بُر أو نصف صاعِ من غيره.
قال في المغني: إذا ثبت هذا، فإن الواجب في إطعام المسكين مد بر، أو نصف صاع من تمر، أو شعير. انتهى.
ومقدار المُد 750جراما تقريبا، ونصف الصاع كيلو ونصف جراما تقريبا.
فإذا وجبت الفديةُ عليكِ فمقدارها هو ما ذُكر، مًد من طعام عن كل يوم، والأحوط جعله نصف صاع خروجاً من الخلاف، ولا يجبُ عليكِ أن تطعمي بنفسكِ، بل يجوزُ لكِ توكيل من يقوم بالإطعام نيابة عنكِ ، وانظري الفتوى رقم: 101519.
وليس هناك وقت معين لإخراج الفدية، بل متى أخرجتها أجزأ عنكِ ، قبل القضاء أو بعده أو معه.
قال المرداوي: يُطعم ما يجزئ كفارة، ويجوز الإطعام قبل القضاء، ومعه، وبعده، قال المجد: الأفضل تقديمه عندنا؛ مسارعةً إلى الخير؛ وتخلصاً من آفات التأخير. انتهى.
وأما مصرف الفدية فهو الفقراء والمساكين، وإذا قمتِ بإخراج الفدية أنتِ، فلا يجبُ عليكِ طبخ الطعام، بل يجوزُ أن تخرجيه نيئاً، بل قد أوجب كثيرٌ من العلماء تمليك الفقير الطعام نيئاَ، ومنع إعطاءه الطعام مطبوخاً، وإن كان الراجحُ جوازه لفعل أنس بن مالك رضي الله عنه، وانظر الفتوى رقم: 111559.
يقول الدكتور صالح الفوزان: أما جمع المساكين على الطعام بأن يصنع طعامًا يكفي عن ثلاثين يومًا أو عدد الأيام التي أفطر فيها ويجمع عليها المساكين الجمهور لا يجيزون هذا لأن المطلوب تمليك المسكين هذا الطعام إن شاء بالأكل وإن شاء بالبيع وإن شاء بغيره فإعطاؤه الطعام غير مطبوخ أنفع له بالتصرف، أما المطبوخ فلا ينتفع به إلا بالأكل، وأجاز بعض العلماء أن يصنع طعامًا عن الكفارة ويجمع المساكين، ولكن كما ذكرنا الجمهور على عدم الجواز. انتهى.
والله أعلم.