الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توبة الله تعالى على من تاب ورحمته له مهما عظمت ذنوبه

السؤال

فضيلة الشيخ الكريم بالله عليك أرشدني إلى الصواب فإني تائه في غرائز الدنيا الفانية وشهواتها اللعينة إني وقعت في ذنب من الكبائر مع أحد الأشخاص وكلما تبت رجعت ولكن نويت هذه المرة ألا أرجع فقد فكرت فيما فعلت وتبت إلى الله توبة أتمنى أن تكون هي الأصدق، وأنا الآن أكتب إليك وعيني تدمع فلم أكن أتصور أن أصل إلي هذه البشاعة وأفعل هذه الفاحشة .. إني نادم أشد الندم على فعلي هذه المعصية ولكن ماذا أفعل لكي يرضى الله عني هذه المرة ؟؟
إني خجلت حتى من الخروج من المنزل من شده الأسف على حالي وأتمنى منك فضيلة الشيخ أن تدلني على الطريق الصحيح الذي لا أعثر فيه مرة أخرى؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالله تعالى يقبل توبة العبد مهما عظم ذنبه وجرمه ما لم يغرغر أو تطلع الشمس من مغربها، وقد وصف الله المتقين فقال: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ {آل عمران: 135}.

ووعد الله التائبين بالمغفرة والرحمة فقال: وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا {النساء:110}.

وقال عز وجل: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53}.

ووعد الله تعالى من يقترف أكبر الكبائر كالشرك والقتل والزنا، بأن يبدل سيئاتهم حسنات، إن هم تابوا وآمنوا وعملوا الصالحات، قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا {الفرقان:68- 71}.

فهنيئا للتائب الصادق الذي يُتبِع سيئاته بحسنات ماحية، كما قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود: 114}.

فأبشر أخي الكريم بتوبة الله عليك، واجتهد في النصح لهذه التوبة، بالإقلاع عن الذنوب خوفا من الله تعالى وتعظيما له وطلبا لمرضاته، والندم الصادق على فعلها، والعزم الأكيد على عدم العودة إليها أبدا، مع رد المظالم إلى أهلها إن كانت هناك مظالم. وانظر الفتوى رقم: 5450 .

وإياك أن يؤيسك الشيطان فإن رحمة الله تسع كل شيء.

وننصحك أخي الكريم أن تشغل وقتك بطاعة الله وكثرة ذكره، وعليك بالإلحاح في الدعاء وصدق الالتجاء إلى الله تعالى، ونوصيك بصحبة الصالحين والتقرب منهم ومن مجالسهم، وأن تسد على نفسك أبواب المعاصي بغض البصر وهجر مواطن السوء والبعد عن الفساق. كما نوصيك بزيارة القبور وتذكر الموتى وأحوالهم وعاقبتهم.

ثم إننا نحيلك على فتاوى في موضوعات شتى تفيدك في ما تريد تحصيله، فقد سبق لنا بيان وسائل تقوية الإيمان والمحافظة عليه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10800 ، 6342، 31768، 76210.

وكذلك سبق بيان وسائل الثبات على الدين وتحقيق الاستقامة والاستمرار في طريق التوبة، في الفتوى رقم: 1208، والفتوى رقم: 12744.

وسبق أيضا بيان الأسباب المعينة على التخلص من غواية الشيطان في الفتويين: 33860، 56356.

كما سبق التعرض لمسألة: هل تكرار الذنب وتكرار التوبة من الإصرار على المعصية، في الفتويين: 66163، 18661.

فراجع هذه الفتاوى ولخص منها ورقة عمل، واجعلها واقعا عمليا في حياتك، تنال ما تريد من الثبات على التوبة والاستقامة على الطاعة، فإنك ستجد فيها نصائح غالية، وتوجيهات ضرورية لمريد الفلاح.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني