الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تقدم لخطبتها شاب فرفضه أهلها لصغر سنه

السؤال

أنا عمري 24 سنة و لم يتقدم لخطبتي أي شخص إلى الآن و العمر يمضي وأنا خايفة أن أصل لسن أفقد فيها الأمل بالزواج، مشكلتي الآن هي :
أنه تقدم لخطبتي شخص أصغر مني عمره 19 سنة أهلي رفضوه بأول يوم زيارة لأهله وأمه في بيتنا وقعدوا يقولون إنه طايش وهو صغير والذي بهذه السن لا يتزوج -يأخذ الحرمة ويفرها وبنتنا ما هي لعبة وغيره من الكلام القوي لأهله - أمه قالت لا توجد مشكلة فالولد هو الذي اختار البنت ويبغيها وقد يتقدم مرة ثانية والله يوفقهم- أمي قالت لا، اصرفي النظر عن الموضوع وظلت تقول ولدكم طايش وغيره من هذا الكلام و الأم ظلت ساكتة وتقول لها لا توجد مشكلة، الزواج ليس الآن وإنما بعد فترة،......وقعدت تحاول مع أمي وأمي ترفض.
مشكلتي أن أمي أحرجت المرأة وأحرجتني أنا - الناس يزورونا لأول مرة كان لا بد أن تستقبلهم بطريقة مناسبة وتقول لهم الكلام الذي في بالي، أي أنه يكون نفسه أو يتوظف وترجعوا لنا و حياكم - وبعد خروجهم من البيت كل واحد يتهجم علي و ظلو يتمسخرون علي ويستهزئون ويقولون كان لا بد أن يكلموا أمي على التلفون وتسألهم عن سن الولد - وغيره من الكلام الذي دمرني وجرحني- وأختي الكبيرة ظلت تستهزئ بي بطريقة لم أقبلها أبد مع أني وقفت معها عندما تقدم لها أناس، ولم أسخر منها أو أجرحها عندما تقدم لها من هو أصغر مني أنا..
نحن بمجتمع يصعب فيه الزواج وأنا لأول مرة يتقدم لي أحد بشكل رسمي وما دام الولد على خلق ودين وطيب مثل ما رأى أخي ، أهلي لم يعطوني فرصة أن أبدي رأيي أبدا وأغلقوا الموضوع بطريقة الإهانة لي..
المشكلة أن أختي الكبرى استهزأت بي كثيرا وهي للأسف عمرها 32 سنة داخلة ب 33 سنة؟
ومن سن 18-19 من عمرها وهي تخطب و ترفض دائما لأن من تقدموا لها أصغر منها وظلت ترفض هي وأهلي - والقطار فاتها وصار ت ب32 سنة.
وأنا أول مرة يتقدم لي واحد وعاملوا الناس بطريقة سيئة ورفضوهم لأن سنه صغير- أنا لم يتقدم لي في عمري أبد وهذه أول عايلة تأتينا...
المشكلة أنه ليس معي في هذا الموقف إلا اثنان من إخواني أما أخي الأكبر و أختي والوالد والوالدة فهم رافضون وأخذوا الموضوع بطريقة الرفض دون النظر لوجهة نظري أو الخوف على بنتهم من العنوسة أو حتى التعلم من درس أختي- أنا لا أريد أن أخرب على نفسي و لا أريد أن أصل لسن أختي بالثلاثين ، علما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال بما معناه زوجوا بناتكم رجالا على خلق ودين واتقوا الله فيهم، وهو صلى الله عليه وسلم تزوج السيدة خديجة بسن 25 وهي كانت 40 سنة.
هذا الكلام أنا أفهمه هم ليسوا راضيين أن يفهموا أبدا، أنا الحمد لله أتقرب من ربي أكثر و أدعو بالهداية لهم كلهم والله ييسر لي بهذا الموضوع ويارب يهديهم....
نحن 5 بنات بالبيت- الكبيرة 32 وأنا 24 و الصغار من تحت 20
والناس يتكلمون أن أبي لا يبغي أن يزوج بناته خصوصا عقب الذي صار بحق أختي و رفضهم والذي يحصل معي يحطمني كاملا أنا أبغي الستر من رب العالمين و أن يكون لي زوج ويظهر سندا لي ما دام إخواني لا يسندونني أبدا، وما دامت تجاربهم في الزواج شبه فاشلة يرون أن كل شي فيه فشل وهذا الشيء خطأ؟
خصوصا مع أخي الكبير الذي تزوج وحده من مجتمع ثان وبدون أن يأخذ أهلي للخطبة - خطبها بنفسه والفرق أنها تصغره ب11 سنة و من بيئة ثانية - فلا بد في نظري أن يواجهوا صعوبة، وهو يفكر أن الذي تقدم لي ليس رجلا ناضجا أبدا وقال أغلقوا الموضوع...
ما سيترتب على هذا الأمر كارثي فسنصل لسن العنوسة- لذا لا بد أن يتمسك بالذي يتقدم لنا ويعطيه فرصة أن يتعرف علينا ونتعرف عليه، ولا نحكم على الناس من أول زيارة كانوا فيها جيدين لكن أهلي يرون أن كل شي ليس جيدا ساعدوني ووجهوني أنا عانيت من التحدث معهم بكل الطرق...
هذه فرصتي و لا بد أن يعطوني حرية الاختيار والتعبير ولا يعيدون خطأ أختي معي..

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فننصحك أيتها السائلة بالصبر والرضا بقضاء الله والثقة في رحمته سبحانه واختياره لعبده المؤمن، واعلمي أن كل قضاء يقضيه الله لعبده المؤمن فهو خير وإن رآه العبد في ظاهر الأمر بخلاف ذلك, فالله يعلم وأنتم لا تعلمون.

أما بخصوص ما كان من أهلك ورفضهم لهذا الشاب الذي ذكرت أنه صاحب دين وخلق فهو أمر غير جائز وهذه مخالفة صريحة لأوامر الصادق المصدوق – صلى الله عليه وسلم – حيث قال: إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. رواه الترمذي وحسنه الألباني.

فلا يجوز لأولياء المرأة أن يرفضوا الخاطب صاحب الدين والخلق حتى ولو كان صغير السن, فهذا ليس مانعا من الزواج, وقد كفلت الشريعة المباركة للمرأة حق اختيار الزوج, فإذا ما وافقت على رجل فلا يجوز لأهلها أن يمتنعوا من تزويجها, فإذا فعلوا كانوا عاضلين آثمين, والعاضل تسقط ولايته بل وعدالته وينتقل أمر الولاية إلى من بعده من الأولياء أو إلى السلطان على خلاف بين العلماء.

ولذا فإنا نقول: إذا تقدم لك صاحب الدين والخلق ورفضه أبوك بلا سبب فإن ولايته تسقط عنك, ويمكنك أن تستعيني عليه ببعض أصدقائه أو بعض أهل العلم والخير لكي ينصحوه ويعلموه بحرمة ما يصنع, فإن أصر على رفضه فيمكن لأحد إخوتك أن يتولى هو تزويجك, فإن رفض إخوتك أو خافوا حصول الفتن إن هم فعلوا ذلك دون إذن أبيهم عند ذلك يمكنك أن ترفعي أمرك للقضاء ليقوم القاضي بإجبار وليك على تزويجك أو يزوجك هو بنفسه, جاء في الفتاوى الهندية: وأجمعوا أن الأقرب إذا عضل تنتقل الولاية للأبعد. انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني: إذا عضلها وليها الأقرب انتقلت الولاية إلى الأبعد، نص عليه أحمد، وعنه رواية أخرى تنتقل إلى السلطان، وهو اختيار أبي بكر وذكر ذلك عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وشريح وبه قال الشافعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له. انتهى.

وقال أيضا في المغني: ومعنى العضل: منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك، ورغب كل واحد منهما في صاحبه.... إلى أن قال: فإن رغبت في كفء بعينه وأراد تزويجها لغيره من أكفائها، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته كان عاضلاً لها، فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك، ولا يكون عاضلاً لها بهذا، لأنه لو زوجت من غير كفئها كان له فسخ النكاح، فلأن تمنع منه ابتداء أولى. انتهى.

وقال خليل بن إسحاق المالكي: وعليه الإجابة لكفء، وكفؤها أولى، فيأمره الحاكم ثم زَوَّج. انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه، فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة، الأَوْلى فالأولى، فإن أبوا أن يزوجوا كما هو الغالب، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي، ويزوج المرأة الحاكم الشرعي. انتهى.

أما ما كان من أختك وسخريتها منك فهذا حرام فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنّ. {الحجرات:11}.

ولكنا نوصيك بالعفو عنها والصفح ومراعاة ظروفها النفسية فإن تأخرها في الزواج إلى هذه السن لا شك أن له أثرا سيئا على نفسها, نسأل الله سبحانه أن يرزقكن أزواجا صالحين.

وفي النهاية ننبهك على أن بر الوالدين والإحسان إليهما والصبر عليهما والعفو عن زلاتهما واجب, ومهما كان منهما من ظلم لك أو عدوان على حقك فإن هذا لا يبرر لك الإساءة إليهما بل ولا التأفيف والتضجر, فقط إن استمرا على التعنت في تزويجك, ولم يجد معهما توسيط أهل الخير والعلم, فارفعي أمرك حينئذ للقضاء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني