الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله سبحانه أن يهدي والدك وأن يأخذ بناصيته إلى طريق الهدى والرشاد, وأن يقيه شر نفسه وشيطانه.
واعلمي أيتها السائلة أن البر بأبيك - مع ما ذكرت من حاله- واجب عليك, فإن حقوق الوالدين عظيمة، فقد قرنها الله تبارك وتعالى بعبادته، فقال جل وعلا: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً.{النساء: من الآية36}.
وأمر الله بالإحسان إليهما ومصاحبتهما بالمعروف حتى ولو كانا كافرين يدعوان ولدهما إلى الشرك بالله والكفر به، فقال سبحانه: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:15}.
وقال صلى الله عليه وسلم: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه. رواه الترمذي, وصححه الألباني.
وقال عليه الصلاة والسلام: رغم أنف رجل بلغ والداه عنده الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. رواه الترمذي وصححه الألباني.
فلا يجوز لك بحال من الأحوال أن تهجريه أو تقاطعيه بل حقه عليك هو المصاحبة بالمعروف في كل الأحوال، ولا شك أن الوالد أوقع نفسه في جملة من المحظورات والمحرمات – حسبما ذكرت – وأول هذه المحظورات هو تضييع أولاده وإهدار حقوقهم وترك الإنفاق عليهم, وكفى بهذا إثما ومعصية. جاء في سنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت. وحسنه الألباني.
ثم ما ذكرت من إسرافه على نفسه وتضييعه لحقوق الله, وتعديه لحدوده خصوصا في أمر الأعراض وفعل الفواحش, وما دام قد سبب لك ما سبب من أذى ومرض, وما دمت تخافين على نفسك وأسرتك من شره, فلا مانع من أن تقتصري في علاقتك معه على القدر الذي لا يسبب لك الضرر في دينك أو دنياك, وذلك كأن تتواصلي معه بالهاتف مثلا أو تقابليه في وجود زوجك في مكان بعيد عن البيت والأولاد مقابلة سريعة وتعتذري بأنك ستذهبين لرؤية الأولاد ونحو ذلك من الأعذار.
وحتى تخرجي نفسك من الحرج فمن الممكن أن يتولى زوجك هذا القرار. وقد نص الشافعية والحنابلة على أن الزوج له أن يمنع زوجته من زيارة والديها، ويلزمها طاعته، فلا تخرج إليهما إلا بإذنه، لكن ليس له أن يمنعها من كلامهما ولا من زيارتهما لها، إلا أن يخشى ضررا بزيارتهما، فيمنعهما دفعا للضرر.
أما بالنسبة لمعاشرته لأمك فطالما أن عقد النكاح ما زال قائما فحقه في المعاشرة قائم, ولا يجوز منعه منه، ومجرد الانفصال عن الزوجة وهجرها ولو طال لا يعتبر طلاقا ولكن لها الحق في طلب الطلاق منه نظرا للضرر الواقع عليها من البقاء معه, ولا سيما إذا كان لا يصلي، فقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى كفره في هذه الحالة وأنه لا يحل للمرأة البقاء معه، فإن لم يرض بالطلاق فلها أن ترفع أمرها إلى أحد المراكز الإسلامية ليمكنها من التخلص منه ويرفع عنها الضرر، فإن لم تجد ذلك فلها تفتدي منه بالمال وهو ما يعرف بالخلع.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2674, 104492, 101140.
والله أعلم.