السؤال
حديث عبد الله بن سلام: عندما أتى اليهود برجل وامرأة زنيا فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم الزنا في التوراة الحديث، فلماذا سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ أليس النبي يجب أن يكون عالما بقول التوراة فى ذلك؛ لأنه نبي حيث إنه صلى الله عليه وسلم في حديث آخر لأحد الصحابة قبل أن يسلم وكان على إحدى ديانات النصارى، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم إنه يعلم أكثر منه عن هذه الديانة وشريعتها فلماذا هنا النبي أخبره بأنه يعلم عن هذه الديانة وشريعتها ولم يخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الأول بحكم الزنا في التوراة، أنا آسف على الإطالة وآسف على عدم كتابتي للأحاديث بنصها ولكني ذكرت معناها ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أميا لايقرأ ولايكتب كما قال الله تعالى عنه: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ المُبْطِلُونَ {العنكبوت:48} .
وأما قصة رجم اليهوديين وسؤاله لهما عن حكم الزنى في التوراة لما تحاكموا إليه ليس سؤال استفهام بل هو سؤال تقرير وإلزام . وكان علمه بذلك إما بإخبار الله له أو بإخبار بعض الصحابة الذين أسلموا من اليهود كعبد الله بن سلام.
قال النووي: قال العلماء هذا السؤال ليس لتقليدهم ولا لمعرفة الحكم منهم فإنما هو لإلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم ولعله قد أوحي إليه أن الرجم في التوراة الموجودة في أيديهم لم يغيروه أو أخبره من أسلم منهم .
فهو لايعلم عن الديانات السابقة والكتب القديمة إلا ما أخبره الله به في القرآن وقصه عليه أو أخبره به بعض من أسلم من أصحاب تلك الديانات، ومن ذلك ما ورد في قصة إسلام عدي بن حاتم كما في المسند قال: لما بلغني خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فكرهت خروجه كراهة شديدة، خرجت حتى وقعت ناحية الروم، وقال يعني يزيد ببغداد حتى قدمت على قيصر، قال فكرهت مكاني ذلك أشد من كراهيتي لخروجه، قال فقلت والله لولا أتيت هذا الرجل فإن كان كاذبا لم يضرني، وإن كان صادقا علمت، قال فقدمت فأتيته، فلما قدمت قال الناس عدي بن حاتم عدي بن حاتم، قال فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي يا عدي بن حاتم أسلم تسلم ثلاثا، قال قلت إني على دين، قال أنا أعلم بدينك منك، فقلت أنت أعلم بديني مني، قال نعم ألست من الركوسية وأنت تأكل مرباع قومك، قلت بلى، قال فإن هذا لا يحل لك في دينك، قال فلم يعد أن قالها فتواضعت لها، فقال أما إني أعلم ما الذي يمنعك من الإسلام تقول إنما اتبعه ضعفة الناس ومن لا قوة له، وقد رمتهم العرب أتعرف الحيرة، قلت لم أرها وقد سمعت بها، قال: فوالذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد، وليفتحن كنوز كسرى بن هرمز، قال قلت كسرى بن هرمز، قال نعم كسرى بن هرمز، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد، قال عدي بن حاتم فهذه الظعينة تخرج من الحيرة فتطوف بالبيت في غير جوار، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها. قال شعيب الأرنؤوط : بعضه صحيح ، وهذا إسناد حسن من أجل أبي عبيدة.
فقوله صلى الله عليه وسلم لعدي أنه أعلم منه بدينه لايعني علمه بجزئياته وتفاصيله واطلاعه عليه، وإنما أخبره الله عزوجل عما يفحم به عديا، فكان تحديا لعدي وإفحاما له وإظهارا لنبوته صلى الله عليه وسلم في إخباره عن الغيب مما أطلعه الله عليه، سواء في الماضي كأكل عدي للمرباع، أو المستقبل كفتح كنوز كسرى ونحو ذلك مما أخبر به وقد كان .
إذن فلاتعارض بين سؤاله لليهوديين عن حكم الرجم تقريعا لهما وإلزاما وبين إفحامه لعدي بإخباره عن بعض ما في دينه، فأتى في كل من المقامين بما يناسبه.
وللفائدة انظر الفتوى رقم:11425 .
والله أعلم.