الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الزواج من ثانية... رغبة ومعوقات شتى

السؤال

أنا شاب ملتزم من صنعاء القديمة أحفظ كتاب الله والحمد لله تزوجت منذ 4 سنوات جرت العادة والعرف في منطقتنا أن تختار الأم الزوجة لابنها دون أن يراها أو يكون له رأي في الاختيار.
كان هدفي من الزواج أن أعف نفسي لذلك لم يكن لدي خيار في عدم الموافقة لأنه لم يكن لدي خيار آخر, كذلك أنه لو لم أوافق فإني سأخسر والدتي ووالدي بشكل كبير وربما دعوا علي.
استخرت الله ثم استشرت المشايخ وبعض العلماء والإخوة الصالحين وتوكلت على الله, والحمد لله رزقني الله المرأة الصالحة من حيث الجمال والطبع.
وفي الحقيقة أن زوجتي ليست مقصرة معي أبدا والحمد لله فهي تقوم على خدمتي وتلبي لي كل رغباتي تصنع لي أطيب الطعام وتغسل لي الثياب وتنظف البيت وتطيع والدتي ووالدي اللذين كبرا في السن وتحسن لي كثيرا وأنا راض عنها والحمد لله، لكنّ هناك أمران يجعلاني الآن أفكر بالزواج من ثانية وبشده وهما كالتالي:
1) هناك فرق كبير في المستوى العلمي فأنا حامل ماجستير ومقبل على الدكتوراه بإذن الله تعالى وهي تخرجت من الثانوية، قد تستغربون حينما أذكر لكم هذا ولكن في الحقيقة أنني أتمنى أن تكون لي زوجة تشاركني مستواي العلمي من حيث الأبحاث والنظر في العلوم الجديدة والانكباب على العلم والقراءة بدلا من البرامج التلفزيونية (المباحة طبعا) وضياع الأوقات, وللأسف حاولت بكل جهدي أن أجعلها تتعلم وتقرأ في الكتب ولكنها لا تحب القراءة إلا في بعض الكتب كالقصص فقط، قمت بتسجيلها في مدرسة التحفيظ للبنات بعد الظهر فحفظت 10 أجزاء والحمد لله ولكن بعد أن سافرنا للخارج للدراسة، انقطعت عن التحفيظ وسرعان ما نسيت الحفظ ودائما اذكرها وأخوفها من النسيان وخصوصا أنها تملك كل الوقت وليس لدينا أولاد بعد وليست منشغلة بالدراسة, وهي تراجع لكن بضعف شديد. وفي الحقيقة أشعر بضيق عندما لا أجد من يبادلني اهتماماتي في الحياة (كزوج أقصد)
2) زوجتي ليست ممن يرغب كثيرا وأنا أعاني من هذا الأمر بشكل كبير وأحيانا أكلمها فتلبي لي رغبتي لفترة وجيزة ولكن سرعان ما تعود لطبعها لأنها جبلت عليه. وعندما أكلمها عن أهمية أن تتلطف المرأة مع زوجها فأنها تستجيب لي ولكن يكون واضحا جدا أنها تتكلف، وقد اشتريت لها الكثير من الكتب في هذا الموضوع، ولكن لا فائدة وأنا لست منزعجا منها لأنها هكذا فأنا أحمد الله على العافية، ولكن أحببت أن أبين حقيقة ما في داخلي لأنني أعاني من هذا الأمر وخصوصا أنني أحيانا لا أقرب زوجتي أسبوعين أو أكثر، بصراحة أفتقد في أوقات كثيرة إلى الحنان والحب والعطف (هذا الأمر لا يحتمل ويجعلني اشعر أحيانا وكأنني لست متزوجا أصلا، فأخاف أن يجر علي الويلات).
في نفس الوقت أخاف أن يكون في تصرفي هذا خطأ بحقها فقمت بمصارحتها وشرحت لها كل ما في نفسي وتكلمت معها بغاية اللطف وتعهدت لها أمام الله أني لن أكون مقصرا في حقها فوافقت تماما والحمد لله وأنا سعيد جدا وقالت لي إنها توافق لأنها تريد أن تسعدني.
الأمر الذي أخاف منه (والذي جعلني أكتب هذه الرسالة لكم) الآن هم أهلي وعلى رأسهم والدتي التي ربتني وتعبت على وكذلك والدي وإخواني لن يوافقوا مهما حصل فماذا أعمل؟ هل إذا كان الشرع قد أباح لي الزواج بالثانية وأنا فعلا (صاحب حاجة) وليس عبثا ولعبا علي أن أراعيّهم؟
ماذا أعمل في حالة عدم موافقة والدتي هل إذا كنت صاحب حق وحصلت على فتوى أكون قد أعذرت إلى الله؟
إذا وافقت والدتي فإن الجميع سيوافقون وإذا كان (وأنا على يقين من ذلك) لي حق فهل لي أن أحصل على فتوى أو نصيحة لها بأن يستشعروا ما أعاني منه وما يجول بداخلي (على الأقل) حينها إما أن يقنعوني أو أقنعهم؟
بارك الله فيكم وحفظكم وأعذروني على الإطالة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

بارك الله فيك وأعانك على طاعته وبرك بوالديك.

أما بالنسبة لسؤالك فهو يدور حول أمور أولها: بر الوالدين وهذا أمر من أعظم الأمور بعد توحيد الله تعالى, ولكن لتعلم أن بر الوالدين يكون في غير معصية الله تعالى، أما إذا كان هذا البر يأتي بالعديد من المفاسد والوقوع في الذنوب والمعاصي فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فإن كنت تخشى من الوقوع في المعصية فإن النكاح الثاني يكون في حقك واجبا، والواجب لا يطاع أحد في تركه، ولكن ينبغي لك أن توضح لوالديك ولأمك خاصة الأمر وخطر الوقوع في الفتن خاصة في هذا الزمن المليء بالفتن.

والزواج الثاني واجب في حقك إن خشيت الوقوع في الحرام، و الغرض من الزواج هو إعفاف النفس وكفها عما حرم الله تعالى، هذا مع حرصك على إرضاء الأم وبرها بما تستطيع دون هضم حق النفس.

ثانيها: حق زوجتك فإذا كانت زوجتك كما تقول فبارك الله فيها وقلّ أن تجد هذه الأيام من تراعي حق زوجها وتعترف له بحقه في زوجة ثانية, ولكن لا بد أن تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حذر من هضم حق الزوجة، ففي سنن ابن ماجه ومسند أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أحرج حق الضعيفين : اليتيم و المرأة. رواه الإمام أحمد في مسنده وابن ماجه في سننه.

وقال صلى الله عليه وسلم: من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل. رواه أبو داود والدارمي.

فيجب عليك إذا قررت الزواج الثاني العدل بينهما، وقد اختلف أهل العلم فيما يجب فيه العدل، وتراجع الفتوى رقم: 49632.

ثالثا: أقول لوالديك ولإخوتك: إن العون على الطاعة من أفضل القربات، والإعانة على المعصية من أبغض الأمور إلى الله تعالى، فبرفضكم الزواج الثاني لأخيكم وابنكم تعينون الشيطان عليه وتفتحون له الطريق إلى معصية الله والوقوع في الفاحشة. فالأصل في الزواج إعفاف النفس والشعور بالانسجام والمودة وهذا لا يتأتى إلا بكف الفرج عن الفاحشة وإشباع الحاجة الفطرية في قضاء الشهوة, ومع الاعتراف بفضل الزوجة الحالية وحسن معاملتها لكم ولزوجها, ولكن الفارق الثقافي يحول دون الانسجام العقلي, وبرود شهوتها يحول دون إشباع شهوته, ويتبين من رسالته تقديره لها ولمحاولاتها الاستجابة لرغباته في تطوير نفسها, ونلمس صدق ابنكم في العزم على العدل بينهما, ولكن ينبغي أن يحسن الاختيار فلا يكتفي بالمستوى العقلي وإشباع الحاجة الفطرية, بل يكون أشد حريصا على الظفر بذات الدين التي تسعده وتبر أهله, وتعرف لزوجته الأولى التي وافقت على زواجه فضلها, بما يخفف من آثار الغيرة التي لا مفر منها. فدعوا ابنكم البار يفعل ما يحب لمرضاة الله أعاننا الله وإياكم على طاعته.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني