الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الزواج من المرأة الجميلة مطلوب شرعًا وطبعًا

السؤال

قرأت للشافعية أنهم كرهوا زواج الرجل من امرأة فائقة الجمال، فهل هذا القول صحيح، أو راجح؟ وما معنى الكراهية هنا؟ وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:

فقد نص بعض الشافعية على كراهة الزواج من بارعة الجمال، كما جاء في حاشية البجيرمي على الخطيب حيث يقول: قوله: جميلة، أي: باعتبار طبعه فيما يظهر، ولو سوداء مثلًا، وإن قلنا: الجمال عرفي؛ لأن المدار هنا على العفّة، وهي لا تحصل إلا بجمال بحسب طبعه، لكن تكره بارعة الجمال؛ لأنها إما أن تزهو، -أي: تتكبر لجمالها، أو تمد الأعين إليها... والمراد بالجمال.. الوصف القائم بالذات المستحسن لذوي الطباع السليمة، وقد قال الإمام -رضي الله عنه-: ما سلمت ذات جمال قط، أي: ما سلمت من التكلّم فيها، أي: من فتنة، أو تطلّع فاجر إليها، أو تقوّله عليها. انتهى.

وإذا كان بعضهم قد كره جمال المرأة الفائق؛ لخوف الفتنة بها من نفسه، أو غيره، أو إصابتها بالغرور، أو ما أشبه ذلك مما أشار إليه، فلا يلزم منه كراهة الزواج منها على العموم لمن لم يخشَ ذلك؛ فإن الجمال وطلبه والتطلّع إليه، كل ذلك لم يكن مذمومًا في شرع الله تعالى؛ فإن الله عز وجل جميل يحب الجمال، كما جاء في الموطأ، وصحيح مسلم، وغيرهما.

وجمال المرأة أيضًا عامل طبيعي من العوامل التي ترغب في الزواج منها، والتطلّع إليه أمر مشروع؛ ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الخاطب أن ينظر إلى المخطوبة، فعن جابر بنِ عبد الله، قال: قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم: إذا خَطَبَ أحَدُكُم المرأةَ، فإن استطاعَ أن يَنْظُرَ إلى ما يَدْعُوهُ إلى نِكَاحها، فَلْيفعَل. رواه أحمد، وأبو داود، وصححه الحاكم، وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح.

وفي المسند، والسنن عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْظُرْ إِلَيْهَا؛ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا.

وروى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا؟ فَإِنَّ فِي عُيُونِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا»، قَالَ: قَدْ نَظَرْتُ إِلَيْهَا. الحديث.

قال النووي في شرح مسلم: فِيهِ اسْتِحْبَابُ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِ مَنْ يُرِيدُ تَزَوُّجَهَا، وَهُوَ مَذْهَبُنَا، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَسَائِرِ الْكُوفِيِّينَ، وَأَحْمَدَ، وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ. اهـ.

وروى النسائي، والإمام أحمد، وصححه الألباني عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي النساء خير؟ قال: التي تسرّه إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره.

فهذه الأحاديث، وغيرها تدل على أن الجمال مطلوب شرعًا وطبعًا.

وللمزيد، انظر الفتوى: 50921.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني