الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المبتعث هل له أن يتخلف ويعمل ليسدد ديونه

السؤال

أنا طبيب موفد على حساب الدولة لنيل شهادة الدكتوراه لمدة ثلاث سنوات وحسب شروط المنحة أنها قابلة للتمديد بنصف المدة أي سنة ونصف، وحالياً بعد أن انتهت السنوات الثلاث ولم أنته بعد من رسالة الدكتوراه فتقدمت بطلب لتمديد المنحة فتم رفض الطلب وسأضطر للبقاء لفترة حوالي 6 أشهر جزء على حسابي وجزء بالدين، والمهم أيضاً أنه لدى عودتنا نتقاضى مبلغاً من المال لا يكفي لتغطية ربع النفقات الحياتية وأنا ليس لدي بيت للسكن فإذا عدت فلربما أمد يدي للناس للسؤال خاصة وأن الراتب لا يكفي للمعيشة فكيف سيكفي لإيجار السكن إضافة للمعيشة.
وسؤالي: هل علي إثم إن أنا تأخرت عن عودتي بشكل مؤقت لمدة قد تصل لسنتين أو ثلاث حتى أستطيع أن أوفر مبلغاً بسيطاً من المال لوفاء ديوني ولتأمين على الأقل سكني عند عودتي علماً بأنهم قد أخلوا بشروط العقد المبرم بيننا وهو قابلية تمديد المنحة في حال عدم كفاية سنوات الإيفاد، وسؤال آخر لو حصل وأنني أثناء فترة تخلفي قد حكم علي من قبل الدولة بالغرامة المالية المترتبة على عدم عودتي فهل إن قمت بتسديد المبلغ أبرئ ذمتي وأبرئ نفسي من الإثم فأجيبوني؟ وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الذي يفهم من السؤال هو أنك تعاقدت مع الدولة على منحة للدراسة توفرها لك مدة ثلاث سنوات قابلة للتمديد إلى أربع سنوات ونصف حسب الحاجة، وهذا مقابل أن تخدم عندها مباشرة بعد إكمالك للدراسة، وذكرت أن السنوات الثلاث قد انتهت ولم تكمل الرسالة التي هي جزء من الدراسة، فتقدمت بطلب لتمديد المنحة -كما هو مقرر في الاتفاق- فرفض الطلب.. وتسأل عما إذا كان يحق لك أن تتأخر بعد الأجل الذي تنهي فيه رسالتك، وذلك التأخر هو من أجل توفير مبلغ من المال تستعين به في قضاء ديونك وتؤمن به سكناً لك، كما تسأل عما لو حكم عليك بغرامة مالية بسبب تخلفك وقمت بتسديدها، أتبرأ ذمتك بذلك، ويكون فيه براءة لك من الإثم أم لا؟ وللجواب على هذا تجدر الإشارة إلى الأمور التالية:

1- أن من واجبك وواجب الدولة أن يفي كل منكما بما تم التعاقد عليه بينكما، فالمسلمون على شروطهم، روى الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراماً. صححه الألباني. فكان من واجب الدولة أن تمدد لك المنحة على النحو الوارد في الاتفاق.

2- أن الدولة إن أخلت بالشرط من وجه فإن ذلك لا يبيح لك أنت أن تخل به من وجه آخر، بل الواجب أن تصلحوا جميعاً ما أخطأتم فيه، أو تتراضوا على صورة أخرى.

3- أنك إذا كنت ترى أن الراتب الذي ستمنحه لك الدولة لا يغطي إلا جزءاً ضئيلاً من مصاريفك، وستكون مضطراً إلى مد اليد إلى الناس مستجدياً كما بينت في السؤال، فإن من حقك أن تبين ذلك للجهة التي منحتك، وتطلب منها الاستقالة مما تعاقدت عليه معها، وفي هذه الحالة يكون لها الحق في مطالبتك بدفع المصاريف التي بذلتها في دراستك.

4- أنه إذا كان تأخرك المدة المذكورة غير مسموح به في القانون، وقد يترتب عليه الحكم عليك وتغريمك... فإنه لا يجوز أن تفعله، لأن قوانين الدول يجب احترامها إذا لم تتعارض مع الشرع، ولأن في مثل هذا الفعل إذلالاً لك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: وما إذلاله لنفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق. رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع.

5- أنه لا يجوز للمرء أن يفعل الفعل المنهي عنه بحجة أنه سيفعل ما تكون به كفارة ذلك، إذ لا يعرف أنه يعيش حتى يكفر عن فعله أم أنه لا يعيش.

6- أنك إذا قمت بدفع الغرامة المترتبة على فعلك فإن ذمتك تبرأ من الحق المالي، وأما براءتك من الإثم فإنها تتوقف على قبول توبتك إذا كنت قد تبت إلى الله من الذنب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني