الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الذي يفهم من السؤال هو أنك تعاقدت مع الدولة على منحة للدراسة توفرها لك مدة ثلاث سنوات قابلة للتمديد إلى أربع سنوات ونصف حسب الحاجة، وهذا مقابل أن تخدم عندها مباشرة بعد إكمالك للدراسة، وذكرت أن السنوات الثلاث قد انتهت ولم تكمل الرسالة التي هي جزء من الدراسة، فتقدمت بطلب لتمديد المنحة -كما هو مقرر في الاتفاق- فرفض الطلب.. وتسأل عما إذا كان يحق لك أن تتأخر بعد الأجل الذي تنهي فيه رسالتك، وذلك التأخر هو من أجل توفير مبلغ من المال تستعين به في قضاء ديونك وتؤمن به سكناً لك، كما تسأل عما لو حكم عليك بغرامة مالية بسبب تخلفك وقمت بتسديدها، أتبرأ ذمتك بذلك، ويكون فيه براءة لك من الإثم أم لا؟ وللجواب على هذا تجدر الإشارة إلى الأمور التالية:
1- أن من واجبك وواجب الدولة أن يفي كل منكما بما تم التعاقد عليه بينكما، فالمسلمون على شروطهم، روى الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراماً. صححه الألباني. فكان من واجب الدولة أن تمدد لك المنحة على النحو الوارد في الاتفاق.
2- أن الدولة إن أخلت بالشرط من وجه فإن ذلك لا يبيح لك أنت أن تخل به من وجه آخر، بل الواجب أن تصلحوا جميعاً ما أخطأتم فيه، أو تتراضوا على صورة أخرى.
3- أنك إذا كنت ترى أن الراتب الذي ستمنحه لك الدولة لا يغطي إلا جزءاً ضئيلاً من مصاريفك، وستكون مضطراً إلى مد اليد إلى الناس مستجدياً كما بينت في السؤال، فإن من حقك أن تبين ذلك للجهة التي منحتك، وتطلب منها الاستقالة مما تعاقدت عليه معها، وفي هذه الحالة يكون لها الحق في مطالبتك بدفع المصاريف التي بذلتها في دراستك.
4- أنه إذا كان تأخرك المدة المذكورة غير مسموح به في القانون، وقد يترتب عليه الحكم عليك وتغريمك... فإنه لا يجوز أن تفعله، لأن قوانين الدول يجب احترامها إذا لم تتعارض مع الشرع، ولأن في مثل هذا الفعل إذلالاً لك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: وما إذلاله لنفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق. رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع.
5- أنه لا يجوز للمرء أن يفعل الفعل المنهي عنه بحجة أنه سيفعل ما تكون به كفارة ذلك، إذ لا يعرف أنه يعيش حتى يكفر عن فعله أم أنه لا يعيش.
6- أنك إذا قمت بدفع الغرامة المترتبة على فعلك فإن ذمتك تبرأ من الحق المالي، وأما براءتك من الإثم فإنها تتوقف على قبول توبتك إذا كنت قد تبت إلى الله من الذنب.
والله أعلم.