الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الفساد الإداري هل يبيح المال العام

السؤال

جزاكم الله عنا كل خير ونحن والله نضعكم في محل ثقة في قلوبنا إن سؤالي هذا في غاية الأهمية وقد يتسبب بمشاحنات بين الأهل إذا فهم بطريقة خاطئة والله المستعان، هناك بستان لعدد كبير من العائلة وهو إرث عن جدي يشرف عليه عمٌ لنا منذ زمن وهو عارف بأحوال الحقب التي مرت على هذه المنطقة ومعروف أنه يحب الأرض والشجر ويخشى عليهم من الضياع والإهمال (يرجو ملاحظة أننا من فلسطين وأن الوضع الذي تمر به أراضي فلسطين صعب للغاية وذلك من أثر اغتصاب الإسرائيليين لحقوق الشعب الفلسطيني من موارد البلد الطبيعية وغيرها فضلاً عن الفساد الإداري الذي يعم المؤسسات الحكومية وخاصة البلدية المسؤولة عن منطقتنا) نعود لنكمل السؤال اكتشف أن المسؤول عن البستان (عمي) يقوم بأخذ جزء من الماء دون علم مصلحة مياه الري لسقي الجزء الذي لم يسق من الماء فاستنكرت عليه ذلك واعتبرتها سرقة، فقال لي إن هذه المياه تأتي من نبع موجود في بلدنا منذ زمن بعيد وكان الناس يأخذون حاجة بساتينهم منه وقد قنن بعد ذلك من البلدية أن لكل بستان وقتا معينا عدد من الدقائق تتدفق المياه إلى البستان خلال هذا الزمن بحيث تسقي جميع البستان وتزيد (وتأتي هذه المياه بقنوات كبيرة هذه النقطة ممكن أن تفيد في فهم المسألة) ويقوم أصحاب البساتين بدفع مبلغ زهيد للبلدية (قسم مصلحة مياه الري) مقابل أتعابهم، مرت بعض السنوات وأصبح منسوب المياه يقل وكمية المياه التي تأتي بنفس الزمن المقتطع للبستان قلت مثلا كان للبستان عشرة دقائق وفي هذا الزمن كان يسقي البستان وتزيد المياه أما الآن في هذا الزمن أصبحت المياه لا تسقي نصف البستان وأصبح الشجر يموت تدريجياً، مع العلم بأننا أصبحنا نسمع الكثير عن سرقة العمال القائمين على الري يقومون بتخسيس المياه وبيعها إلى أصحاب المزارع والبساتين الكبيرة دون وجه حق وأصبحت البساتين التي غاب أصحابها عنها إلى بلاد أخرى لا تسقى وتموت، مع العلم بأنه يجب أن تصلهم المياه، ولكن لأن أصحابها غادروا البلاد لم يعد المسؤولون عن المياه إيصال المياه إلى هذه البساتين ثم بعد ذلك أصبح نظام الري عن طريق المواسير العادية (الضيقة) فأصبحت كمية الماء أقل وأصبحنا نسمع أن فساد البلدية الذي كثر بعد تسلم الفاسدين زمام أمورها في منطقتنا وأصبحت المياه أقل وبشكل قانوني، وما كان على البلدية (وقسم مصلحة مياه الري) إلا أن يقولوا عدد السكان قد زاد لذلك فقلت المياه وإن هناك أناسا يبنون في منطقتنا وينشؤون الحدائق في منازلهم ومزارعون ينشؤون المزارع ويستهلكون مياها كثيرة ويدفعون ثمنها على حساب بساتين المنطقة الأصلية فأخذت تتناقص وتتدهور حالتها، لذلك قام العم بأخذ جزء من مياه الري بطريقة غير شرعية لسد حاجة البستان الذي قد مات نصفه من قلة المياه، أحببت أن تعيشوا واقع الفتوى وأنه هناك عدة حقائق لصالح العم قد ذكرتها منها ارتفاع منسوب المياه في القنوات قديما وزيادة المياه عن حاجة البستان في زمن عشرة دقائق مثلا والآن في نفس الزمن لم تعد تكفي نصف البستان وأيضا هجر كثير من البساتين من قبل أصحابها مما يعني أن كمية المياه يجب أن تزيد وأيضا تحويل المياه إلى نظام المواسير مما يجب أن توفر المياه والسمعة السيئة والفساد الإداري للمسؤولين وسرقتهم للمال العام بتغطية قانونية وهناك حقائق لصالح البلدية ألا وهي زيادة عدد السكان وقلة منسوب النبع حسب أقوالهم... بعد هذا الشرح المفصل كما سبق وقلت إن عمي يقوم بري البستان بطريقة غير قانونية ويقول إن المسؤولين ظلمة وسارقون ونحن في ظل دولة فاسدة، فما حكم ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمن المعلوم أنه لا يجوز للمسلم التحايل على الممتلكات العامة أو الخاصة، لما في ذلك من الغش والسرقة والخيانة... التي لا تخفى حرمتها لكثرة أدلتها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من غش فليس منا. رواه مسلم. وفي رواية: من غشنا فليس منا، والمكر والخداع في النار. رواه الطبراني وابن حبان.

ومعلوم كذلك أن الفساد الإداري إذا عم المؤسسات الحكومية أو البلدية فإن ذلك لا يبيح المال العام، كما يجدر بالذكر أيضاً أنه لا يجوز التسبب فيما يفسد الأرض أو يتلف الشجر، وأن ارتكاب أخف الضررين وأهون المفسدتين قاعدة من القواعد الفقهية الصحيحة، وأن من واجب البلدية أن تقسط بين المواطنين فيما وكل إليها من تسيير مصالحهم.

وبناء على هذه المعطيات العامة نقول: إنه إذا كانت المياة قد قل منسوبها، بحيث لم يعد في الإمكان أن تروي كافة البساتين التابعة للبلدية، وجب أن يستوي المواطنون فيما يترتب على ذلك، وبالتالي يكون أخذ أي شخص لأكثر من القدر المستحق له يعتبر غشاً وسرقة ولا يجوز.

وأما إن كانت المياه تكفي لجميع الري، ولكن البلدية أرادت التقتير على المواطنين على النحو الذي ذكرته، بدون مسوغ شرعي، فإن من حق من استطاع التوصل إلى حقه من المياه منهم أن يستوفي حقه إذا أمن الفتنة والضرر، عملاً بمسألة الظفر، فانظر إلى أي هاتين الحالتين تنتمي مسألتكم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني