الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الزواج من بدوية

السؤال

السلام عليكم..

أرجو منكم إرشادي لما أفعل فأنا شاب مررت بتجربة عاطفية فاشلة انتهت بفسخ خطوبتي، مشكلتي أني لا أستطيع نسيان هذه التجربة مع مرور الزمن، صراحة تعطلت حياتي وعملي، وانقطعت عن الناس بسبب هذه التجربة.

أعلم أن نداء العقل يقول لي أن أنسى، ولابد أن تستمر الحياة، ولكن المشكلة أني لا أستطيع النسيان، أقرر النسيان وأشغل نفسي بالعمل فيخيل إلي أني نسيت الموضوع فأحمد الله على ذلك، ولكن ما هي إلا أسابيع حتى ترجع لي الذكريات أعنف وأشد من الأول، مما يسبب لي دمارا نفسيا، فساعدوني فقد تدمرت حياتي وتوقفت وأنا في حالة نفسية لا يعلمها إلا الله فأنا على حافة الانهيار النفسي.

أرجو التكرم والإجابة مأجورا على مشكلتي على وجه السرعة رجاء، فمشكلتي كما قلت لكم أني شاب عازب وحساس جداً، ورومانسي لأبعد درجة، مررت بتجربة حب لم يكتب لها النجاح، مما جعلني أعيش في حالة نفسية لا أستطيع وصفها.

وبنصح الأصدقاء أشاروا علي بضرورة الشروع بمشروع خطبة جديدة لنسيان التجربة الماضية؛ حيث أن حياتي توقفت بعدها وأصبحت بحالة من الاكتئاب الشديد، والانعزال عن المجتمع والناس، فعرض علي أحد الإخوة قريبة له من أسرة يغلب عليها الفقر والبداوة والتدين، فأصبت بالحيرة لأني إنسان جامعي ورومانسي جداً، وأرى الزواج الناجح أنه مكان يجد فيه الإنسان حاجته من الحنان والعطف والمشاعر، وهذا السبب الذي جعلني شديد التأثر بفشل تجربتي الأولى؛ حيث كانت خطيبتي الأولى شديدة الرومانسية مثلي.

وأخشى الآن أن تكون هذه البنت لا تقيم وزناً لهذه الأشياء بحكم بيئتها البدوية، وأخشى أن يسبب ذلك فشل هذا الزواج، أو أن أظل أقارنها بخطيبتي الأولى وأعود وأقول لنفسي: ماذا جنيت من الرومانسية والمشاعر غير العذاب الذي لا تزال تشعر به إلى الآن فدعك من هذه الأشياء وابدأ حياة جديدة بعيداً عن هذه الأشياء؟.

وأهل البادية يغلب عليهم الطيبة وصفاء السريرة والتدين، وهذه أشياء كفيلة بنجاح الزواج، أنا في حيرة من أمري.

الرجاء أرشدني ماذا أفعل فحالتي النفسية سيئة جداً وأنا مضطرب لا أعلم ماذا أفعل؟

أرشدني لأخرج من حيرتي، جزيت الجنة الرجاء سرعة الرد وعدم إهمال رسالتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنحن أيضاً ننصحك بالدخول إلى تجربة جديدة، شريطة أن تتفادى أخطاء الماضي، وأن توفر مشاعرك وعواطفك لتبوح بها في حياتك الزوجية الشرعية، فإن الخطبة ما هي إلا وعد بالنكاح لا تُبيح للخاطب الخلوة بمخطوبته ولا الخروج معها، وليس من المصلحة إطالة فترة الخطبة؛ لأنها خصم على السعادة الزوجية مستقبلاً، كما أن الإنسان لا يستفيد منها كثيراً؛ لأنها تقوم على المجاملة، وإظهار المحاسن وكتمان السيئات، حتى قيل: (كل خاطب كذاب).

والمسلم إذا أعجبته فتاة طرق باب أهلها وطلب يدها، فإن حصلت الموافقة سارع بإعداد نفسه لإكمال المراسيم، واجتهد في إكرام زوجته وفي مودتها.

ولا داعي للبكاء على ما مضى، فإنه لن يحدث في كون الله إلا ما أراده، ولن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، فتوجه إلى من يجلب الخير ويدفع الضراء واعلم أن الدنيا لا تخلو من الجراح، وقد أحسن من قال:
جُبلت على كدرٍ وأنت تريدها *** صفواً من الأكدار والأقدار
ومكلف الأيام فوق طباعها *** متطلب في الماء جذوة نار

ولعل في الذي حصل الخير، (( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ))[البقرة:216]، ومن أحب غير الله عذب به، فعمر قلبك بحب الله، واجعل محابك الأخرى على مراد الله، فلا تحب إلا أهل الإيمان والتقوى، وأحب زوجتك الحلال.

وإذا كانت البدوية متدينة فهي أفضل؛ لأن الزوج يستطيع أن يقودها بسهولة رغم أننا في زمان ليس فيه بداوة كاملة، فقد أصبحت الدنيا كالقرية الواحدة، وهذه قصة رجل تخرج ودرس فوق الجامعة، فلما أراد أن يتزوج اختار فتاةً أقل من مستواه، فقيل له في ذلك، فقال: هذه سهلة علي في توجيهها بخلاف الزميلة التي سوف تتكبر علي، وقد تشعر أنها أفضل، وسوف تعاملني بندية وتحدي، بخلاف الأخرى التي ترى نفسها زوجةً وتلميذة مطيعة لزوجها.

فاختر لنفسك صاحبة الدين ووجهها الوجهة التي تريد، وقد صدقت فإن الطيبة وصفاء السريرة مؤهلات مهمة للسعادة الزوجية.

ورغم أننا لا نعرف أسباب فشل التجربة الأولى، إلا أن المسلم ينبغي أن ينظر للأمام ويردد بلسان أهل الإيمان: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان، (وعجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له أو أصابته ضراء صبر فكان خيراً له).

وأرجو أن تعلم أننا لا نهمل رسائل الإخوان والأبناء، ونشكر لك هذا التواصل مع موقعك، ونتمنى لك التوفيق والنجاح في مستقبل أيامك، ونتمنى أن تشغل نفسك بما يرضي الله، فإن الإنسان إذا لم يشغل نفسه بالحق شغلته بالباطل.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً