الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علاقتي السلبية بأبي غيرت حياتي للأسوأ، فما العمل؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة عمري 21 سنة، عشت طفولة جميلة ومريحة، كنت أملك ما تحلم به أي طفلة صغيرة، بحكم أني المدللة في العائلة بصفة عامة، والأكثر دلالاً عند أبي.

درست الطب بتشجيع أبي، ثم حدث أن تشاجرت معه، وأصبحت عدوته، لا أعرف كيف ولماذا؟ والدي شخصية نرجسية، لا يتكلم مع أحد في العائلة، يعيش وحيداً وهو معنا في البيت، يطبخ لنفسه، ولا يأكل إذا طبخت أنا أو أمي، وأقسم على منع أخواتي المتزوجات من زيارتنا، تكلمت معه بأدب، وأخبرته أنه مخطئ، فجعلني في صفهم، وقال: لست أباك ولست ابنتي، يفتعل المشاكل في البيت، أصبح عدوانياً، علماً أن عمره 68 سنة.

توقفت حياتي، وتأذيت نفسياً، أصبحت حساسة، تنهمر دموعي لأتفه المواقف، ضاعت شخصيتي، ولا أعرف كيف أبدأ من جديد وحدي بعدما كان أبي هو سندي؟ عائلتي تشجعني وتدعمني، لكن هذا الحدث قد دمرني نفسياً وعقلياً، لا أعرف ماذا أفعل وحدي بعدما كنت متعلقة بأبي كثيراً؟ كيف أتصرف لتصبح شخصيتي قوية ومرتاحة نفسياً؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سهام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بداية، اعلمي -أختي الكريمة- أن الواحد منا لو كان له أحد الأبوين ما زال حياً، فهذه نعمة عظيمة، وعليك أن تبذلي السبب لكي ترضي والديك، ففي ذلك خير الدنيا والآخرة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ : "رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ "، قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ"، رواه مسلم، فالخسارة والخزي يوم القيامة لمن فاته هذا الخير بتركه البر.

نأسف لما تمرين به الآن، فأنت في موقف صعب، المشاكل العائلية، خاصة تلك التي تشمل الوالدين، يمكن أن تكون مؤلمة ومحبطة، إن الإحباط الذي تشعرين به مشروع، ولكن يمكنك تعلم الأدوات والاستراتيجيات للتعامل مع هذا الوضع.

إليك بعض النصائح التي قد تجدينها مفيدة:
1. الاعتناء بنفسك أمر أساسي، تأكدي من أنك تأكلين بشكل صحيح، وتنامين بما يكفي، وتمارسين الرياضة، الرعاية الذاتية تشمل أيضاً الأنشطة التي تجعلك تشعرين بالراحة والسعادة.

2. التحدث عن مشاعرك وتجاربك مع شخص يمكنك الثقة فيه قد يكون مفيدًا، قد يكون هذا الشخص صديقًا أو عضوًا آخر في العائلة أو مستشارًا أو طبيبًا نفسيًا.

3. قد يكون من المفيد التحدث إلى شخص محترف مثل الطبيب النفسي أو المستشار النفسي، يمكن لمثل هؤلاء الأشخاص أن يقدموا لك استراتيجيات وأدوات محددة لمساعدتك على التعامل مع هذه الأوقات الصعبة.

4. بناء الشخصية القوية يأخذ الوقت والجهد، الشجاعة، والرغبة في التعلم، والاحترام للذات والآخرين، والثقة في النفس، والقدرة على التعامل مع التحديات والصعوبات، كل هذه الصفات تساهم في بناء الشخصية القوية التي تبحثين عنها، يمكن أن تساعدك الكتب والدورات عبر الإنترنت والمحاضرات في تطوير هذه الصفات، وأهم صفة تزيد ثقتك بالله تعالى هي التوكل عليه (ومن يتوكل على الله فهو حسبه).

5. لا تدعي هذه القضية تمنعك من تحقيق أهدافك الأكاديمية والمهنية، تذكري أن الدراسة هي أداة قوية لتحسين حياتك ومستقبلك.

6. لا ترهقي تفكيرك، وكّلي أمره إلى الله، وعليك بالدعاء له بالهداية وأن يلين الله قلبه، وأن يصلح ذات بينكما، وتذكري أنك مأجورة على صبرك على والدك، وإن أساء إليك، بل إن صبرك على أحد أقاربك وأرحامك الآخرين أنت مأجورة عليه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلُم عنهم ويجهلون عليّ، فقال:" لئن كنت كما قلت فكأنما تُسِفُّهم المَلّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك"، فما بالك بأقرب الناس إليك وهو أبوك؟ لا شك أن أجرك سيكون أعظم عند الله تعالى.

المهم الآن هو كيف تستعيدين علاقتك بوالدك؟
نحن ننصحك بأن تحرصي كل الحرص على تجنب إغضاب والدك، وينبغي لك أن تجتهدي ما استطعت في إدخال السرور إلى قلبه، فإن هذا البر ينفعك عند الله تعالى، ينفعك في دنياك وينفعك في آخرتك، لعله غضب عليك بما ذكرت في رسالتك (تكلمت معه بأدب، وأخبرته أنه مخطئ) وقد ذكرت أنك كنت مدللة عنده، فلعله غضب من تخطئتك له، وهو ما أثار غضبه، وقد كان يظن أنك ستقفين إلى جانبه.

فالحل أن تصبري عليه وأن تعتذري له، فرضاه عنك مهم، وواصلي علاقتك الطيبة مع إخوتك، وكوني على علاقة طيبة مع الجميع، فهذا خير وإحسان تقدمينه لنفسك ولهم، فعليك بالتلطف له بالقول والفعل، وتلبية طلباته والبشاشة له، وتذكري أنك مأجورة بإذن الله، ولو وجدت جفاء منه في البداية فإن قلبه سيلين ولا شك، وستحسين بالراحة لأنك وجدت السند الذي فقدته، وإذا قمت بما عليك من البر والإحسان والوفاء والخدمة، وبعد ذلك لم يرض الوالد؛ فلا شيء عليك من الناحية الشرعية، وربنا العظيم بعد آيات البرّ في سورة الإسراء قال سبحانه: {وقضى ربك ألَّا تعبدوا إلَّا إياه وبالوالدين إحسانًا} ثم قال في نهايتها: {ربكم أعلم بما في نفوسكم} يعني: أعلم بما في نفوسكم من البر والرغبة في الخير والحرص على الإحسان إلى الوالدين.

أدعو الله أن يشفي قلبك، ويقدر لك الخير في كل الأمور، اللهم آمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً