الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حائرة في تربية أولادي وتوجيههم بشكل مثالي، فساعدوني

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تزوجت صغيرة وأنجبت طفلين بعمر صغير 18 - 19 سنة، كنت سعيدة جدًا مع زوجي وأحببنا بعضنا، ولم تحدث أي مشكلة بيننا، وبعد إنجابي طفلي الأول كنت سعيدة في البداية مع صدمة قليلة وعدم القدرة على تحمل مسؤولية الطفل في بعض الأحيان؛ لأني قبل الزواج كنت أُكثر اللعب بسبب عدم نضجي (كأنني طفلة)، ولم أكن مستعدة تمامًا لمرحلة الأمومة.

حاولت تثقيف نفسي وقراءة الكتب التربوية، وحريصة جدًا على التفاصيل التربوية، من تجهيز الطعام المفيد للأولاد، وتعليمهما الأدب وعدم الشتم واحترام الناس، أصبحت متحكمة بالطفلين لأجل تربيتهما، وأحيانًا أضربهما لو رأيت أي خطأ وأصرخ عليهما، وأدقق في كل ما يفعلانه ولا أريد أن يبدر أي خطأ منهما، تعبت وأتعبت الجميع معي، وأحس أني دقيقة جدًا، حتى بدأت تظهر عليهما سلوكيات عدوانية، فالولد الكبير أناني، والصغير كتوم.

أحكي لهما القصص يوميًا، ولا يمر يوم دون تقبيلهما واحتضانهما والجلوس معهما قبل النوم، وأجعلهما يحتضنان بعضهما، ابني الكبير يبلغ من العمر 8 سنوات، وقبل شهرين تعبت نفسيتي، ولا أعرف كيف أتعامل معهما، تركت كل شيء ونفرت منهما ومن المشاكل، وإذا جاء الليل أبكي، وأدعو عليهما وأندم.

أحبهما وأريدهما بأحسن حال وأحسن تربية، فهل أنا أم قاسية لأني أضربهما وأهملهما؟ وهل أستطيع تعويضهما عن ذلك؟ والله إني نادمة جدًا! والضرب فقط باليد، لا أستخدم أي أداة ثانية، وزوجي يعينني كثيرًا، والآن انشغل عنا في تجهيز المنزل، علمًا أن طفليّ ليس لديهما أي تلفاز أو ألعاب إلكترونية، فقط ألعاب عادية، فهل هذا هو السبب؟ وهل من الطبيعي أن يهملا الترتيب والنظافة عكسي أنا؟

شكرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم عبد الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، وأشكر لك حسن ظنك، وتواصلك مع الموقع، وحرصك على الالتزام بالدين وتربية الأولاد وفق تعاليمه الكريمة، وأسأل الله أن يرزقك التوفيق والسداد، ويلهمك الصبر والحكمة والهدى والصواب والرشاد.

لا شك أن تربية الأبناء، وتنشئتهم نشأة صالحة، من أعظم الأمانات والمسؤوليات الملقاة على عاتق الوالدين أمام الرب -سبحانه وتعالى-، قال تعالى: (قوا أنفسكم وأهليكم نارًا)، وفي الحديث: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيّته)، وهي مهمة شاقة تحتاج إلى الكثير من الصبر من الشخص، وتوفيق من الرب، ولا بد فيها من إدراك أسس التربية الصحيحة، وطرق التعامل مع الأطفال في سبيل التنشئة السوية والسليمة والمتوازنة، جسديًا وعقليًا وعاطفيًا وفكريًا، ومن النصائح التي يركّز عليها علماء الشرع والتربية هذه التوجيهات العامة:

- لزوم الاستعانة بالله تعالى، وتقواه والتوكُّل عليه، وحسن الظن به، وتعزيز الثقة بالنفس، وقوّة الإرادة (ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيءٍ قدرًا)، (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبلنا وإن الله لمع المحسنين)، وقد صح في الحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.. احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) [رواه مسلم].

- التركير على غرس وتعميق توحيد الله وتعظيمه في نفسيهما، وعلى فهم وتطبيق أركان الإيمان والإسلام، والتزام اتباع الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وعلى تزكية النفس والأخلاق الفاضلة، ومراقبة الرب تعالى وخشيته ومحبته، والحياء منه، وتعويدهما على العبادات مثل: الصلاة والصيام والصدقة، والحرص على تعليمهما القرآن الكريم، وعلى مهارات الكتابة والقراءة، وحب التعلُّم والقراءة، وتوثيق العلاقة الأسرية بالوالدين، وعموم الأهل والأسرة والأقارب.

- عدم المبالغة والإفراط في مشاعر القلق والضيق والتوتر والهم، وتوكيل النجاح في التربية على الرب سبحانه وتعالى، مع بذل الجهد والاهتمام اللازم بعملية التربية، لكن من غير تفريط في حقوق زوجك الشرعية، وضرورة مشاركته في مهام التربية ما أمكن، ولزوم الصبر والحِلم والاجتهاد في ذلك.

"الأم مدرسة إذا أعددتها ** أعددت شعباً طيب الأعراقِ".

- مراعاة مرحلة الطفولة وإعطائها حقها من الترويح عن النفس، بالسماح للطفلين بمتابعة ما يحبان من البرامج التلفزيونية والألعاب، وتعليمهما كيفية تنظيم الوقت والانضباط، واحترام الأصحاب وكبار السن، شريطة أن تكون منضبطة بالوقت والأخلاق، والحرص على توفير الغذاء السليم والمتوازن لهما.

- ضرورة توفير البيئة والصحبة الصالحة في البيت والمسجد والشارع والمدرسة، وتوفير القدوة الحسنة من نفسك، ومراقبة طفليك ومتابعتهما برفق وحزم، وعدم تركهما نهبًا للإهمال والدلال الزائد، وعدم التمييز بينهما، أو تركهما نهبًا لصحبة وبرامج السوء في وسائل التواصل والإعلام، مع توفير البديل الصالح والمناسب لهما.

- الاعتدال في التربية والتعليم، وعدم الأخذ لهذه المهمّة بحساسية مفرطة؛ لما يترتب عليه من ردّة فعل عكسية ونتيجة سلبية، فكثيرًا ما تأتي النتائج الطيبة والمرجوّة بعد حين؛ نتيجة التأثير التراكمي للتربية الحسنة.

- يجب تحقيق أسلوب الترغيب والتحفيز والتشجيع، ومراعاة المراحل العمرية للأطفال، والموازنة بين اللين والشدّة، وعدم اللجوء إلى منهج التسلط والعُنف والضرب، إلا عند الضرورة، وبقدر الحاجة من غير أذىً ولا إساءة، ويمكن المعاقبة عند اللزوم بالحرمان من الأشياء المفضّلة لديهما؛ كالألعاب، مع ضرورة تنبيههما لأخطائهما، وسبب معاقبتهما، ودعوتهما لعدم تكرارها، ومناقشتهما ومشاركتهما ما يعجز عنه، والاكتفاء بمجرد الأمر، أو بالنظرة الحادة، واتباع أسلوب الثواب والعقاب، وأسلوب الخصام والهجر، وإظهار عدم الرضا بأخطائهما المتعمّدة وإهمالهما.

- ولا أجمل وأفضل من اللجوء إلى الله تعالى، والإلحاح عليه بالدعاء لهما: (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قُرّة أعين واجعلنا للمتقين إماماً).

هذا وأسأل الله تعالى أن يفرّج همك، وييسر أمرك، ويشرح صدرك، ويحقق في الخير أملك، ويصلح زوجتك وأولادك، ويرزقنا وإياك سعادة الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً