الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الدعاء على الغير

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حدثت مشكلة كبيرة خلال حياتي الزوجية، وقامت أمي بالدعاء على زوجي وهو يكلمها من الخارج بالتليفون، ثم بعدها بفترةٍ قصيرة مات والده وهو بالخارج، وحزن عليه كثيراً، ويظن أنها دعوة أمي عليه وكُرهها له، وهي لا تكرهه، ولكنها كانت حزينة بسبب إساءة أخته لها، والمشكلة أنه اتصل في وقت الأزمة وشدة المواجهة بين أهلي وأهله وجهاً لوجه، تستطيع أن تقول أنها فورة الغضب.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هادية حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،

أختي العزيزة نسأل الله العظيم أن يعيننا جميعاً على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يصلح لنا ولكم النية والذرية، وأن يعيذنا من الشقاق والنفاق وسيء الأخلاق، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا وبعد:
فإن الحياة الزوجية الناجحة هي تلك التي تكون مشاكلها حبيسة الجدران وينجح فيها الزوجان في كتمان المشاكل والسعي في حلها دون تدخل الأطراف الخارجية؛ لأن القلوب إذا تنافر ودها مثل الزجاجة كسرها لا يجبر.

ولابد من الصبر على الأذى واحترام لأهل كل طرف، ومعرفة حقوق المصاهرة، واصطحاب النية الحسنة في ربط الأسر ببعضها، وتوسيع دائرة التعاون على البر والتقوى، وهذا لا يحصل إلا بكتمان الشرور وإظهار الخير وتنميته.

وإذا كان للزوج أم وشقيقات فإن مهمة الزوجة تكون فيها صعوبة إذا لم تقدر مشاعر الغيرة من طرف أهل الزوج؛ لأن الزوجة مهما كانت دخيلة على أسرة الزوج، ويشعر أهل الزوج بأنها جاءت لتقاسمهم في حبه وجيبه، وكل تصرف من أبنهم قد يفسر بأنه تغير وانحياز لزوجته على حساب واجباته الأسرية، فالزوج الحكيم يحرص على أداء حقوق والديه ويراعي مشاعر أخواته وأسرته ولا يظلم زوجته التي ينتظر منها أن تعينه على البر بأهله، وسوف يجازيها الله بإحسانها وصبرها خيراً، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
وعليك -أختي الكريمة- أن تحرصي على إبعاد والدتك عن جو المشاكل لأن تدخلها لن يزيد النار إلا اشتعالاً، واصبري وصابري من أجل الوفاء لزوجك الغائب، واجتهدي في مقابلة الإٍساءة بالإحسان، وما جازى الإنسان من يعص الله فيه بمثل أن يطيع الله فيه (( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ))[المؤمنون:96].

أما بالنسبة للدعاء على الغير فإنه لا يجوز خاصة إذا كان هذا الذي دعونا عليه ليس له ذنب، وميزان الشريعة هو أنه (( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ))[فاطر:18]، وحتى لو فرض أن ظلمنا إنسان أو أساء إلينا فالكمال أن نعفو ونصفح، وقد قال ربنا تبارك وتعالى: (( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ))[الأعراف:199]، فإن الدعاء على الناس مما يوغر الصدور خاصة إذا كانت تربطنا بهم علاقات وثيقة، والمسلم يسيطر على نفسه عند الغضب ويتفادى كل تصرف يمكن أن يندم عليه، فقد يدعو الغضبان على نفسه أو على غيره ويصادف لحظه يقبل فيها الدعاء فيستجاب فتكون الندامة والحسرات.

والتوجيه النبوي للمسلم بعدم الدعاء على نفسه وولده وماله إلا بخير، وأرجو أن نحرص على الدعاء بالخير لمن دعونا عليه عند الغضب، والصواب أن يعود المسلم لسانه الدعاء بالخير عند الغضب كقول بعضهم هداك الله، أو أصلحك الله، أو سامحك الله، إلى غير ذلك من العبارات الفاضلة.

ويحسن بوالدتك أن تكثر من الدعاء والترحم على المتوفي، وتحرص على تطييب خاطر هذا الزوج، وعليك نقل المشاعر الحسنة من قبل والدتك إلى زوجك، واحرصي على كتمان المشاكل والمضايقات عن والدتك حتى لا تتدخل إلا بخير.

ولا شك أن الإنسان يموت بأجله قال تعالى: (( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ... ))[النحل:61]، وهذا ما يجب أن يعرفه هذا الزوج، فهذا الأب توفي لأن أيامه في الدنيا قد انتهت، وسواء أحدث ذلك الخصام أم لم يحدث فإن هذا الرجل كان سيموت، وعلى هذا الزوج أن يكف شر أهله عن الناس، فكما قال ابن عباس: (دعوتان أرجو أحداهما وأخاف الأخرى، فأما التي أرجوها فدعوة مظلوم نصرته، وأما التي أخافها فدعوة مظلوم ظلمته).

ونسأل الله أن يصلح الأحوال وأن يؤلف بين القلوب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً