الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ورثت سلوكا سيئا من أبي وأخشى أن يرثه مني ابني، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم
إليكم مضمون المشكلة

أنا رجل تربيت في بيت مشاكل والدي ووالدتي الطويلة، والعلاقة متوترة دائماً، والبيت يفتقد الجو العائلي، فالسكوت هو سيد الموقف أغلب الأحيان.

أبي -سامحه الله- شديد في التربية، وأسلوب المقارنة بيننا وبين زملائنا رغم أنني متفوق دراسيا وأخلاقيا، والكل من حولي يشهدون بذلك.

يحتقر قدراتنا بأسلوب مغلف، يقلل دائماً من شأننا مقارنة بالناس، رغم أن كل أخواني وأخواتي حملة البكالوريوس والماجستير.

أمي تحمل شهادة ثالث ابتدائي، وأبي معلم، ولكن أمي راقية بأسلوبها، تعززنا، تدعمنا، تراعي مشاعرنا، ونحن نخاف من أبي حتى الآن لأنه شديد الانتقاد على أبسط الأمور صعب جدا يترك لك الحرية في كل شيء.

المشكلة الآن هي:
أنا لدي ابن عمره ثلاث سنوات وتزيد قليلا، وأنا فيّ من طبع أبي الشديد قليلا، رغم أني أحاول أغير أسلوبي معه؛ لأني عصبي قليلا، لا أريد ابني يمر بما مررت به، لا أريد ابني يخاف مني، لا أريد تعقيد ابني مثل ما تعقدت أنا، أنا مصاب بالرهاب الاجتماعي، وثقتي بنفسي متوسطة إلى متدنية، أريد الأساليب التي أعزز فيها ثقة ابني بنفسه، أريده لا يخاف مني أبداً، أريده قوي الشخصية، ما دام أنه صغير فبإمكاني التدخل قبل أن يفوت الأوان، أنا أعاني من هاجس أن يكون ابني مثلي! فسيعاني الأمرين كما عانيت!

ساعدوني أرجوكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ماريوت حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكرك على التواصل مع إسلام ويب.
الذي لاحظته من خلال رسالتك -مع احترامي وتقديري الشديد لمشاعرك- أن لديك شيئا من الهواجس كما ذكرت وتفضلت، وهذه الهواجس أخذت الطابع القلقي الوسواسي، خاصة فيما يخص تنشئة ابنك.

هذا الابن حفظه الله صغير جدًّا في السن، وعملية تنمية ثقته بنفسه لا أعتقد أنها سوف تكون إشكالية أبدًا، فالطفل يتعلم ممن حوله ويكتسب منهم مهاراته، وعلاقتك به أنا على ثقة تامة أنها سوف تكون علاقة جيدة، فأنت أب وأنت تحمل الرأفة والعطف حياله، نحن نخاف حقيقة من أمر واحد، وهو أن يدلل الطفل أكثر مما يجب.

لا نخاف من الآباء الذين ينتهجون المنهج الصارم المعقول؛ لأن غريزة الأبوة سوف تظل موجودة ولن تجعل هذا الاب يقسو على ابنه أبدًا، مهما اعتقد الأب أنه فظ، وأنه غليظ فهذا الشعور فيه مبالغة كبيرة جدًّا.

أخي الكريم: ادع لابنك وهذا هو الأمر الأول، ثانيًا أعطه شيئا من الحرية، هذا الطفل صغير جدًّا، وفي هذه المرحلة كل الذي تقوم به هو أن تلاعبه، أن تلاطفه، أن توجهه بقدر المستطاع، وهذا هو المطلوب، وتجعل الطفل يستفيد من الألعاب ذات القيمة التعليمية، اجعله يختلط بالأطفال في عمره وسنه، هذا يكفي تمامًا.

ليس هنالك خطة تربوية نقول أنها مثالية ويجب أن تُتبع في جميع الأحيان، لا، هذا ليس بالأمر الصحيح، فكما نشأت أنت وأنا وغيرنا من الناس الاختلافات التربوية موجودة ونشاهدها، ولكن بفضل الله تعالى في نهاية الأمر أصبحت أنت الآن مقتدرًا وتفكر فيما هو إيجابي وفيما هو سلبي، ومن الواضح جدًّا أنك حريص على أسرتك، لكن لا تجعل الأمر تصل لمرحلة الهواجس والوساوس؛ لذا أنا بدأت بكلمة الدعاء، الدعاء مهم جدًّا للأبناء، وهذه من وجهة نظري هي الوسيلة الرئيسية، بعد ذلك الأمور الأخرى هي أمور تلقائية في معظمها، بمعنى أننا سنعطف على أبنائنا؛ لأن هذا أمر جبلي، نريد لهم الخير سوف نريد لهم الخير، الخوف كما ذكرت لك هو من التدليل الزائد وليس من القسوة؛ لأن القسوة ليست موجودة أصلاً، حتى ما ذكرته حول والدك ومنهجه، أعتقد أن والدك حاول وبطريقة شعورية أو لا شعورية أن يوازن ما بين منهج والدتك ومنهجه ويخرج بالمنهج الوسطي.

أخي الكريم: اترك الأمور كما هي وتوكل على الله، وأصدقك القول أن التربية مهما خططنا لها ومهما سعينا في أن نكون مثاليين هذا أمر خرافي من وجهة نظري.

نعم هناك خطوط عريضة كأن نعلم أبناءنا لغتهم، أن نعلهم دينهم، أن نشعرهم بالثقة في أنفسهم، أن نلاعبهم، أن نقدر مزاجهم، وأن نقدر كيفية تفكيرهم، لا نعاملهم كما نفكر نحن بل كما يفكرون هم، وأن نتيح لهم كل الفرص الطيبة في الحياة من تعليم جيد وراسخ، أن نحثهم على ممارسة الرياضة، على حفظ القرآن، على الرفقة الطيبة، وهذا هو المطلوب وليس أكثر من ذلك.

أخي الكريم: إذا كانت الهواجس شديدة عليك والتفكير الوسواسي سيطر عليك، فأنا أقول لك أنه لا مانع أبدًا من أن تتناول دواء يساعدك في تقليل هذه الهواجس الوسواسية.

أرجو أن لا تستغرب من كلامي هذا، فدواء مثل الفافرين بجرعة بسيطة (خمسين مليجرامًا) لمدة ثلاثة أشهر ربما يقلل من مخاوفك الشديدة هذه، لكن في نهاية الأمر أنت لست مريضًا، وإن كنتَ ذكرت أنك تعاني من الرهاب الاجتماعي، لكن أعتقد أنه أمر قلقي وسواسي أكثر مما يجب، وجرعة الفافرين الصغيرة هذه سوف تفيدك، وعليك بأن تدفع نفسك للتخلص من هذه المخاوف، أن يكون لك حضور في المسجد في الصف في صلاة الجماعة، أن تشارك الناس أفراحهم وأتراحهم، وما دمت أنت معلمًا فهنالك فرصة كبيرة جدًّا للانصهار والتفاعل الاجتماعي بصورة إيجابية جدًّا مع زملائك المعلمين، وكذلك مع طلابك.

حاول أن تكون لك مساهمات في الجمعيات المدرسية، مثل: الكشافة، وجمعيات الأنشطة الأخرى، فهذه أيضًا فرصة لك لأن تبرز نفسك اجتماعيًا، وتتخلص من كل رواسب الرهاب.

لمزيد من الفائدة يمكنك الاستفادة من الاستشارات التالية حول العلاج السلوكي للرهاب: (269653 - 277592 - 259326 - 264538 - 262637).

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً