الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدي لا ينفق علينا ولا يتواصل بنا ولا يسأل عنا!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

والدي طلق والدتي منذ 5 سنوات، ولا يسأل عنا، ولا ينفق علينا أبدًا، ووالدتي -حفظها الله- تعمل وتنفق علينا، فهل يجب علينا طاعة والدي لو طلب منا ذلك؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخانا وولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك بالموقع، ونسأل الله أن يأخذ بيدك إلى كل خير، وأن يرزقك بر والديك، ويعينك على ذلك.

نحن نتفهم شعورك بتقصير والدك في حقك، وهو قد قصَّر ولا شك، والله تعالى سيسأله عمَّا ضيَّع من الفرض الواجب عليه، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كفى بالمرء إثمًا أن يُضيِّع مَن يقوت"، يعني من يعولهم وينفق عليهم.

ولكن مخالفته هذه ومعصيته لا تُبرِّر لك أنت الإساءة إليه، أو التقصير في حقه الواجب عليك، فقد أخبرنا الله تعالى في كتابه الكريم بالمنهج الذي يجب على الولد أن يتعامل به مع الوالد المسيء، فقال سبحانه وتعالى: {وإن جاهداك على أن تُشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا} فهذه الآية فيها بيان أقسى صور إساءة الوالد، وهي أنه يُجاهد ولده ويدفعه نحو الكفر دفعًا، ليكون من الخالدين في نار جهنم، ورغم فظاعة هذه الإساءة وكبر جرمها، إلَّا أن الله سبحانه وتعالى قال له: {وصاحبهما في الدنيا معروفاً}، فلا تُطعهما في المعصية، ولكن يجب عليك أن تصاحبهما بالمعروف.

وفي ظل هذه الآية يمكنك أن تتصور حالتك أنت مع والدك، فوالدك أساء لكنه لم يبلغ تلك الدرجة من الإساءة، ومع هذه الإساءة، لا بد أن تتذكر -أيها الحبيب- إحسان الوالد إليك، فإن أعظم مظاهر الإحسان هو كونه متسببًا في وجودك في هذه الدنيا، وما يلحق ذلك من نعم الله تعالى ويتبعه، ومن أعظها نعمة الخلود في جنان الخلد لمن مات على الإسلام، نسأل الله أن يتوفانا ونحن على الإسلام.

فالتسبب في الوجود كان بهذا الوالد، ولهذا لا ينبغي أبدًا أن تنسى حقه عليك بإحسانه السابق إليك، وإن وقع في إساءة بعد ذلك؛ فيجب عليك أن تطيع والدك في المعروف، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنما الطاعة في المعروف"، وقال: "لا طاعة لمخلوق في معصية الله".

وممَّا لا شك فيه أن هذه الطاعة تجب فيما لا ضرر عليك فيه، وتفاصيل هذه الطاعة وبيان حدودها تحته كلام كثير للفقهاء، ولكن هذه القواعد العامة بأنه يجب عليك أن تطيعه فيما ليس فيه عليك ضرر، وفي غير معصية الله تعالى.

وهناك إحسان من جنس التنفل والتطوع، وهو المبالغة في كل قول أو فعل يُدخل السرور إلى قلب الوالد، وهذا بلا شك عمل صالح يقربك إلى الله تعالى، فكل إحسانٍ تبذله لوالدك فإنه في الحقيقة عمل صالح يضاف في رصيدك وحسابك، فأنت إنما تعمل لنفسك.

فاحذر من أن يُزهِّدك الشيطان في بر الوالد، ومن باب أولى احذر أن يَجُرَّك الشيطان للوقوع في عقوقه والتقصير في حقه، استعن بالله ولا تعجز.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً