الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لدي تشتت في الأفكار بشكل صار مؤذياً لي، فما توجيهكم؟

السؤال

هذا الصيف اُصبت بنوبة هلع بعد أن راودتني فكرة بأني سأُجن، وبدون علمٍ مني كانت الفكرة، واستحوذت على تفكيري، وأصبحت أشعر بأحاسيس غريبة في عقلي، وتظل فكرة الجنون تتردد في عقلي.

أصبحت أراقب أفكاري كثيراً، وعقلي وحواسي رغم أني لم أكن أفعل ذلك سابقاً، وذلك خوفاً من أن أبدأ بالهلوسة السمعية والبصرية، كنت أشكك أحياناً في بعض الأصوات أو الأشياء، وأسأل عائلتي محاولةً أن أتأكد أن تلك الأشياء حقيقية، وأني لا أهلوس، وما إلى ذلك.

لقد كان الهلع يختلف من يوم إلى آخر، وكنت أنهار من كثرة الأفكار والخوف في بعض الأحيان، أحاول إقناع ذاتي بأن تلك الأحاسيس والأفكار مجرد أوهام لأني أقوم بمراقبة ذاتي، ولكن لا فائدة، أصبحت أفكر بأني أفقد السيطرة، وبأني لا أستطيع استيعاب أي شيء، ومن الممكن أن أقوم بإيذاء شخصٍ ما إن فقدت وعيي، وأصبحت غير عاقلة!

أصبحت هذه الوساوس تراودني، وعندما أفكر أني من الممكن أن أفقد وعيي، وأؤذي شخصاً ما كنت أشعر بأني يدي ترتعش، وأحاول الابتعاد عن أي شيء، يمكن أن يكون مصدر أذى، وتوهمت أعراضاً أخرى، مثل أني لا أفهم شيئاً، وأني أفقد قدرتي على التفكير، أو الاستيعاب، فأصبحت أراقب ذاتي أكثر.

لقد هدأت لفترة نحو شهر أو أكثر، وعادت المخاوف بسبب فكرة عشوائية عن أن الحياة غريبة حيث جاءت الفكرة فجأة.

أعلم أن هذا يدعى اضطراب الأنية، أو حالة من الاغتراب عن الواقع، وحاولت أن أتجاهل هذا الشعور، ولكني كنت أنهار في كل مرة؛ لأن كل شيء كان يبدو غريباً علي، فالأصوات، والكلام، والأماكن، والبيئة المحيطة بي.

علماً بأني رغم هذه الأعراض الوهمية أتعامل بشكلٍ طبيعي، ولم يتدن مستواي الدراسي، وصحتي جيدة أيضاً، ولكني أشعر بالانفصال، وكأني لست هنا، مثل الروبوت الذي يقوم بالمهام، وكأني شخص مُعافى، ويعيش على أكمل وجه، ولكن ما بداخل عقلي غير ذلك تماماً.

أنا شخصية قلقة، وحساسة نوعاً ما بسبب مواقف تعرضت لها منذ الطفولة، وتنمر، وما إلى ذلك، أصبحت أشعر أن الحياة عبء ثقيل، وأني عالقة في جسدي وعقلي، وذلك يشعرني بضغط، وخوف كبير؛ حيث إني لا أستطيع احتمال ذلك الكم من الخوف، والأفكار المتناقضة، والتافهة، ولكنها تسيطر علي!

لا أريد أن أكون هكذا للأبد، أشعر أنه لا أحد يصل به تفكيره لهذه الحالة، لذلك أشعر دائماً، وكأني تائهة، وفاقدة للعقل، رغم أني في كامل وعيي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رحمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك -أختنا الفاضلة- عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا بهذا السؤال، والذي عبرت فيه عن نفسك بشكل ممتاز؛ ممَّا يساعدنا على فهم الموضوع وإبداء المشورة المناسبة -بعون الله عز وجل-.

أختي الفاضلة: نعم إنَّ ما وصفته في سؤالك إنما هي حالةٌ عامَّةٌ من القلق، القلق العام والذي يتجلى من خلال عدد من الأمور، منها: نوبات الهلع، والتفكير الزائد، ثم القلق من المستقبل، والقلق من أن تفقدي عقلك، أو كما ذكرتِ أنك تصابين بالجنون، أو خوف من إيذاء، أو من أن تفقدي السيطرة على نفسك، وتقومي بإيذاء شخص ما، دون وعي منك.

أختي الفاضلة: كل هذه الأعراض:

- أولًا: لها علاقة بما تعرضت له في الطفولة، من سوء المعاملة والتنمُّر.
- الأمر الثاني: هي حالة من القلق، ولكن ما ذكرته من الخوف من فقدان السيطرة، والقيام بعمل ما دون وعي منك، هذه حالة تكاد تقترب من حالة الوسواس القهري؛ حيث تراود الإنسان فكرة مدارها ماذا لو فقدت السيطرة على نفسي، وفعلت كذا وكذا، وواضح أيضًا من سؤالك أن هذه الأفكار تُلحُّ عليك، تحاولين أن تقاوميها وتُبعديها عن نفسك، إلَّا أنها تعود إليك من جديد.

أختي الفاضلة: أمامك طريقان للخروج من كل هذا، من أجل أن تتابعي دراستك ونجاحك بشكل مناسب:

الطريق الأول: أن تُدركي أن هي حالة من القلق، علاجها أمران:
- الأمر الأول: أن تعمدي إلى الأنشطة التي تساعدك على الاسترخاء كالصلاة، وتلاوة القرآن، والتفكر والاسترخاء، بالإضافة لممارسة الأنشطة الممتعة لكِ، كالرياضة والمشي وغيرها.
- الأمر الثاني: عن طريق أن تُبعدي نفسك عن مثل هذه الأفكار، وتحاولي أن تشتتي ذهنك بأمر آخر.

إذًا: إذا بدأت هذه الأفكار تأتي إلى ذهنك فقِفي واذهبي، وقومي بعمل آخر يصرفُ عن ذهنك هذه الأفكار، هذا هو الطريق الأول.

الطريق الثاني: -خاصةً إذا لم تنجحي في الطريق الأول- فيمكن أن تستشيري أحد الأطباء النفسيين عندكم في مصر، ليؤكد التشخيص أولًا: هل هو فقط حالة قلق أم هو وسواس قهري أو كليهما معاً؟ ثم يضع معك الخطة العلاجية، والتي قد تكون عبارة عن أحد الأدوية المضادة للقلق والوسواس القهري، أو العلاج النفسي عن طريق العلاج المعرفي السلوكي أو كليهما معًا.

الشيء المطمئن -أختي الفاضلة- أن هذا أمر أنت -بعون الله عز وجل- قادرة على تجاوزه، لتستعيدي حياتك الصحية النفسية الطبيعية.

داعيًا الله تعالى لك بتمام الصحة والراحة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً