الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يمكن بالصلاة والدعاء أن أنال خيري الدنيا والآخرة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

السؤال لعله أغرب سؤال.

أنا إنسان أُصلي، ولكني غير ملتزم، فقط أصلي من الجمعة إلى الجمعة، وأحياناً أصلي الفروض، وفي يوم من الأيام دخل شخص إلى حياتي، وهي زميلة لي في الدراسة، وأحببتها، ولكني لست من النوع الذي يدخل في علاقة محرمة.

مع الأيام ازداد حبي لها، ولم أعرف لماذا لم يكن هناك سبب واضح؟! فهو حب صافٍ خالٍ من كل شيء، ومرت أيام ولم أستطع إلا أن أخبرها، ولكنها رفضتني، حتى وإن هي قبلت سأذهب إلى أهلها، وأتقدم حسب الأصول، والعادات، وكما يأمر بذلك ديننا.

حين رفضتني حزنت كثيراً، وأصبحت مكتئبًا، ولم أعد أجد معنىً للحياة، لا في دراسة ولا في عمل، وفي يوم من الأيام لم أستطع أن أتحمل، وذهبت وصليت الفجر ولم أستطع النوم، ودعوت الله أن ينقذني ويدلني على طريق صحيح، أو يأخذ روحي بنفس النهار!

في فترة العصر أتت الفتاة، وتحدثت معي، ولقد ارتحت وشعرت بنوع من السكينة في قلبي، وما كان به من همٍّ اختفى، وكأنه لم يكن.

بعد ذلك بيوم ذهبتُ وتكلمتُ مرة أخرى مع الفتاة من أجل أن أتقدم لها، ولكنها رفضتني للمرة الثانية، ولم أحزن أو أكتئب، وفهمت من وقتها بأن الحب هو أن يكون صافياً خالياً من أي شيء محرم.

الحب ليس شيئاً وجودياً، بل إحساس من الداخل يدفعك إلى الحب، ومنذ ذلك اليوم أصبحت أصلي كل فرض وسنة، وقيام الليل، ولقد أدركت معنى التقرب إلى شيء تحبه، وأدركت أن الله عز وجل يحبنا، ويريدنا أن نصلي، وأنا كنت لا ألتزم بالصلاة؛ فكيف لي أن أقول: إني مسلم أحب الله إذا لم أكن أفعل أهم شيء في الإسلام، وهو الصلاة؟

ربما لم أشرح السؤال بشكلٍ مفهوم، فهل صلاتي والتزامي مقبول؟

إن نيتي في الصلاة هي الحب والتقوى، ولكي يجعلني الله من أهل الجنة بعونه، فهل أستطيع أن أدعو الله أن يجمعني بها في الحلال إذا كانت خيراً لي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبعد:

المعنى الذي وصلت إليه بغض النظر عن الطريقة هو معنى صحيح، وهو أن المحب الصادق متبع، ومتقيد بما يحب محبوبه ويرضاه؛ ولذلك أول علامات المحبة الصادقة:
1- اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال الله عز وجل: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم)، فلا يتقرب إلى محبوبه إلا بما شرعه له ورضيه.

2- التحبب إليه بالتقرب منه بما يحبه من الأعمال والأقوال المرضية، ومنها الزيادة في النوافل، كما قال الله عز وجل – في الحديث القدسي-: (....وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ).

معنى (كنت سمعه الذي يسمع به)، أي أنه لا يسمع إلا ما يُحبه الله، (وبصره الذي يبصر به) فلا يرى إلا ما يُحبه الله، (ويده التي يبطش بها) فلا يعمل بيده إلا ما يرضاه الله، (ورجله التي يمشي بها) فلا يذهب إلا إلى ما يحبه الله، (وإن سألني لأعطينه) فدعاؤه مسموع، وسؤاله مجاب، (وإن استعاذني لأعيذنه) فهو محفوظٌ بحفظ الله له من كل سوء.

3- الصبر عند الابتلاء، فالدنيا دار امتحان، ولا بد فيها من الابتلاء حتى يعلم الصادق في المحبة من الدعي، وفي الحديث الصحيح: (إنَّ عِظم الجزاء مع عظم البلاء، وإنَّ الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط).

هذه بعض المعايير في ضبط المحبة، والحمد لله على استقامتك، ونسأل الله لك مزيد التوفيق.

أما الدعاء بأن يجمعك الله بمن تحب فلا حرج فيه، المهم أن تؤمن بأنّ قدر الله هو الخير للعبد؛ لذا أكثر من الدعاء، واجعل فيه هذا القيد: (إن كانت خيراً لي في ديني ودنياي فاجمعني بها).

إن وفقك الله لها وجمعكما ببعض بعد الأخذ بالأسباب؛ فاعلم أن هذا هو الخير لك، وإن صرفك الله عنها ووجهك لغيرها؛ فاعلم أن هذا هو الخير لك.

بقي أن نذكرك بأمر -أخي الكريم-: ليس في الشرع شيء اسمه علاقة بين رجل وامرأة قائمة على الصفاء أو النقاء، كل هذا وإن بدا لك طبيعياً إلا أنه استدراج من الشيطان لك فانتبه، واعلم أن الأصل في التواصل بين الرجل والمرأة المنع، إلا أن تكون محرماً كأم أو أخت أو أن تكون زوجة، وما عدا ذلك فالأصل المنع إلا للضرورة، والضرورة تقدر بقدرها.

كما نوصيك -أخي- بالتعرف إلى بعض الإخوة الصالحين من طلبة العلم، فإن هذه حماية وصيانة لك، نسأل الله أن يحفظك وأن يرعاك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً