الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التزمت فبدأت وساوس الكفر تتسلل إلى حياتي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بدأت الالتزام قبل سنة تقريبًا، ولكن بدأت الوساوس تتسلل إلى حياتي بشكل كبير، وأكثر ما أخشاه الآن هو وساوس الكفر والشرك بالله سبحانه وتعالى، فقد بدأت معي منذ شهر ونصف تقريبًا.

في البداية كانت مجرد شكوك حول جواز بعض الأقوال، وكنت أشعر بالضيق لعدم معرفتي ما إذا كان يجوز قولها أم لا، ولكن تبين لي لاحقًا أنها مجرد وساوس؛ لأن تلك الأقوال لا بأس بها في الأصل، ولكن الشيطان استغل خوفي الدائم من الوقوع في الأخطاء أثناء الدعاء، فأصبح يدخل عليّ من هذا الباب.

وقبل شهر تقريبًا بدأت تراودني أفكار وشكوك بأنني كفرت، فأصبحت أنطق الشهادتين، وأستغفر، وأتوب، ومع مرور الوقت، تكرر الأمر، فأصبحت أشعر في كل مرة أنني وقعت في الكفر، وكلما شعرت بذلك، نطقت الشهادتين، واستغفرت، وتبت، وقرأت عن وسواس الكفر، وعلمت أن من لا يرتاح للوساوس لا يكفر، فبدأت أوسوس فيما إذا كنت قد ارتحت ورضيت بالكفر أم لا!

عندما أقتنع بأنني كفرت، ينتابني حزن، وأقول في نفسي أنني بحاجة لإعادة الشهادتين، ولكنني أحيانًا أتهاون في التوبة بحجة أنني سأستغفر وأتوب لاحقًا، أو بحجة أنني قد وقعت في الكفر بالفعل.

وعندما أسمع أحدًا يكفر لا أنكر عليه، وإذا سمعت القرآن أو أي ذكر، ينتابني كلام سيئ فيه كفر، فأشعر وكأنني راضٍ عنه، لأنني أقول في نفسي: "أنا أصلاً قد كفرت".

وأصبحت أقول لنفسي: "أنا لست راضيًا"، ولكن في الوقت ذاته أتساءل "كيف لا أكون راضيًا وقد فكرت فيه عمداً؟" فاقول نعم، ربما رضيت بالكفر، وقد بدأت مؤخرًا لا أشعر بالندم كما في السابق، رغم أنني ما زلت أرغب في التوبة، وعدم العودة لهذا الضلال.

سؤالي: هل تقبل توبتي حتى وإن لم أشعر بالندم الكامل، رغم أنني لا أرتاح إلا إذا تبت؟ وإذا تذكرت بعد التوبة أنني لم أتُب عن حالة كفر سابقة، فهل يجب علي نطق الشهادة مرةً أخرى؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ K861 حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

نسأل الله تعالى أن يخلصك من هذه الوساوس، وأن يصرف شرها عنك، ونحن ندرك مدى المعاناة التي تعيشها، والقلق والاضطراب بسبب هذه الوساوس، ولكن نحب أن نقول لك -أيها الحبيب-:

إن الوسوسة مرض من الأمراض التي قد يصاب بها الإنسان، ومطلوب منه أن يتوكل على الله تعالى، ويأخذ بالأسباب الشرعية لدفع هذا المرض عن نفسه، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاءً". ويقول: "تداووا عباد الله".

فإذا صدقت منك العزيمة، وسلكت طريق الجد في مدافعة هذه الوساوس، والأخذ بأسباب طردها عنك؛ فإنك ستنجح -بإذن الله تعالى- في التخلص منها، ونحب أن نطمئنك أولًا قبل أن نذكرك بهذا الدواء: بأنك على إسلامك، وأن دينك لم يتأثر، ولم تضره هذه الوساوس؛ فكل ما تعانيه من قلق، واضطراب، وانزعاج بسبب هذه الوساوس هو دليل صريح صحيح على وجود الإيمان في قلبك.

فلولا وجود الإيمان في قلبك، لما كنت تشكو كل هذه الشكوى، وتعاني هذه المعاناة، وتشعر بالحاجة إلى التوبة، ولكن يحاول الشيطان أن يكدر عليك عيشك، ويدخل إليك أنواع القلق، والفزع، والخوف، بمحاولته إشعارك بأنك لا تندم، وأنك قد رضيت بالكفر، وهذا كله غير صحيح، فشعورك بالحاجة إلى التوبة، وعدم ارتياحك لهذا الوضع الذي أنت فيه؛ كل ذلك يدل على أنك غير راض بالكفر، ولا مطمئن النفس إليه، ولا شرح صدرك له، فكن في ارتياح وطمأنينة أنك لا تزال على إسلامك ودينك، ولست بحاجة إلى تجديد الإسلام بالنطق بالشهادتين، بقصد الدخول في الإسلام من جديد.

وأما عن الدواء: فالدواء يتركز في ثلاث وصايا نبوية مختصة بالجانب النفسي أو الروحي:

وهي الخطوة الأولى: أنه إذا داهمتك هذه الأفكار، وهذه الوساوس، فما عليك إلا أن تصرف نفسك بقدر استطاعتك للاشتغال بأي شيء آخر غير هذه الوساوس من أمر الدين، أو من أمر الدنيا، اشتغل بأي شيء ينفعك في دنياك، أو في دينك، ولا تبال بهذه الوساوس، ولا تهتم بها، حقرها، وهون من شأنها، وانتقل للاشتغال بغيرها، هذه هي الخطوة الأولى.

ومع هذه الخطوة اشتغل بالتوجيه النبوي الثاني: وهو الالتجاء إلى الله تعالى، والاستعاذة به -سبحانه وتعالى- من شر الشيطان، ومن شر الوساوس، فقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كلما داهمتك هذه الأفكار.

والوسيلة الثالثة: هي الإكثار والمداومة على ذكر الله تعالى، فإن ذكر الله تعالى حصن يتحصن به الإنسان المسلم من شرور الشيطان، فإذا جاهدت نفسك على الاستمرار على هذه الخطوات الثلاث، وحاولت مع ذلك أن تعرض نفسك على طبيب مختص حاذق، فإنه قد يصف لك بعض الأدوية التي تعيد للجسم اعتداله، وتزوده ببعض المواد التي قد تكون ناقصةً فيه، فإن هذا أيضًا من التداول المشروع والمباح، فإذا ثبتت على هذا الطريق، وداومت عليه، وصبرت عليه، فإنك -بإذن الله تعالى- ستتخلص من هذه الوساوس.

نحب أن نؤكد -أيها الحبيب- أنك لست آثمًا بسبب هذه الوسوسة، ولا تحتاج إلى توبة منها؛ فإنها مجرد أفكار، ومحاولات شيطانية لإزعاجك، وإدخال الحزن إلى قلبك، وصرفك عن الطريق المؤدي إلى جنة الله تعالى، فلا تبال بذلك، واشتغل بما سبق من التوجيهات، وستجد نفسك -بإذن الله تعالى- في عافية، وقد تخلصت من هذا الشر المستطر.

نسأل الله تعالى لك عاجل العافية، وأن يصرف عنك كل سوء ومكروه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً