الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أواجه مشكلة كبيرة بالنسبة للصلاة أثناء عملي، فما النصيحة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هل يمكن أن يحسد الإنسان في دينه؟ كنت في عملي أذهب للصلاة في الجامع؛ لأن مكان العمل لا يصلح للصلاة، ولكن الإدارة كانت تضع شروطاً صعبة، وقالوا لي: أنت تتأخر كثيرًا، ويجب عليك تغيير الجامع الذي تصلي فيه، ووضعوا شروطًا مزعجة، وكأن العمل لا يتوقف.

في إحدى المرات طلبت الإذن من مدير العمل لصلاة العصر، فرفض ورد قائلًا: نحن الآن نعمل، قلت له: الصلاة لن تأخد وقتًا طويلًا، وسأعود لإكمال العمل، فقال: أنا من يقول لك وليس ربنا. أعلم أن الله سيتكفل بحسابه ولكني نفرت منه، وكنت سأعاند وأذهب للصلاة رغمًا عنه، ولكن شيئًا ما منعني، سكت؛ وذلك لأن المشاكل بيننا كثيرة، وبعدها قال لي: اذهب للصلاة، المشكلة أن المشاكل التي تواجهني في العمل كلها بنفس الطريقة.

وفي موقف آخر حينما كنت ذاهبًا للصلاة، سمعت رجلًا في الشارع يقول: هل الإيمان آت معه أو ماذا؟ فعلمت أن الموظفين في العمل يتكلمون عني، وبسبب ذلك سلكت طريقًا مختلفًا للصلاة، مع العلم أن الطريق الأول أقصر بالنسبة لي، ولكني كنت أشعر بالخوف، وأخاف من الصلاة أمامهم، لم أترك الصلاة -الحمد لله-، ولكن الأفكار تراودني وتقول: اجمع الصلوات، ولكني أعود للمنزل في نهاية اليوم، ولا يصح جمع الصلوات من الظهر إلى العشاء، فكيف أتصرف في هذا الموقف؟ وكيف أحافظ على صلاتي؟ شعرت بأني محسود من ذلك الرجل ولكني لم أخبره.

بعد ذلك تركتهم وعملت في مكان جديد، ولكني ما زلت أخشى من الصلاة أمامهم، وإخبارهم بأني ذاهب للجامع، المشكلة أن العمل يطلب منا أن نوضح لهم سبب الغياب أو عدم التواجد بالعمل، وأنا لم أخبرهم لأني خائف من الحسد، ومن خسران صلاتي، في إحدى المرات قلت أمام جمع من الناس: إني أصلي؛ لغرض استشعرت به حكايات كثيرة.

أفيدوني ماذا أفعل للاطمئنان على صلاتي؟ فكرة الصلاة في البيت تحاصرني، فهل أصلي في البيت حتى لا أخسر الصلاة؟ لا أعلم هل هي فكرة من الشيطان! أحس بأني لست فى بلد مسلم، ولست بين المسلمين، لكن ليست كل الوظائف هكذا، عملت في أماكن لم أر بها ذلك، والآن لا أستطيع إخبارهم بأني ذاهب للصلاة، وهم لا يصلون، فما الحل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ thewalker حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يزيدك هدىً وصلاحًا.

أولًا: نهنئك بفضل الله تعالى عليك، وهدايته لك، حيث حبب إليك الصلاة والمحافظة عليها، وهذا فضل عظيم، فإن الصلاة ميزان الأعمال، إذا صلحت صلحت سائر الأعمال، وإذا فسدت فسدت سائر الأعمال، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من عمله، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر؛ هكذا قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

فاشكر الله تعالى كثيرًا الذي حبب إليك الصلاة، ورغبك في المحافظة عليها، ومن شكر الله تعالى أن تدوم وتثبت على ما أنت عليه من المحافظة على هذه الفرائض في أوقاتها، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا}، أي فريضة مؤقتة بوقت، فلا يجوز للإنسان أن يقدمها على ذلك الوقت، ولا يجوز له أن يؤخرها عن وقتها إلا لعذر من الأعذار التي بينتها الشريعة الإسلامية: كالنوم، أو النسيان، أو الجمع بين الصلاتين عند السفر، ونحو ذلك من الأعباء.

وفيما عدا ذلك، يجب على الإنسان أن يصلي الصلاة في وقتها بحسب قدرته واستطاعته، ولكن الصلاة تصح في كل مكان، في المساجد وفي غير المساجد، ولهذا قال لنا الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا"، فأيما رجل أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره، ولا تجب الصلاة في جماعة المسجد، لا سيما إذا وجد عذر من الأعذار.

ومن ذلك عذر الإيجارة بالنسبة للشخص، فإذا كان الشخص عاملًا في وظيفة معينة وعمل معين، فإنه معذور إذا منعه أرباب العمل من الذهاب إلى المسجد، فيصلي في مكانه، ويحرص على أن يصلي جماعة إن وجد من يصلي معه جماعة في ذلك المكان، فإن لم يجد صلى منفردًا فهو معذور؛ وبهذا يتبين لك أن الأمر بالنسبة لك سهل يسير، فإذا وجدت مشقة من جهة أصحاب العمل وأرباب العمل بأن منعوك من الذهاب، فاحرص على أن تصلي في مكانك، وسيكتب الله تعالى لك الأجر على نيتك وعزمك.

أما ما تشعر به من الصد عن الصلاة بسبب ما سميته أنت حسدًا أو نحو ذلك، فهذه محاولات شيطانية ماكرة يريد الشيطان من خلالها أن يصرفك عن الصلاة، فإنه حريص كل الحرص على أن يقطع عليك طريقك الموصل إلى جنة الله تعالى، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه كلها".

فنصيحتنا لك: لا تبال بهذه المشاعر والأحاسيس التي تجدها، استعن بالله، ولا تعجز، وحافظ على صلاتك في وقتها، وافعل ما تقدر عليه بالوصف الذي ذكرته لك، أما تأخير الصلوات وجمعها في البيت فلا يجوز، فاتق الله تعالى في صلاتك، ولا يوهن من عزيمتك أو يضعف من همتك ما تجده من الناس من تكاسل عن الصلاة، وإهمال لها، فإنهم يقعون في ذنب عظيم، واحرص كل الحرص على أن تذكر من حولك بالصلاة برفق ولين، فإنك بذلك تظفر بثواب الدعوة إلى الله تعالى، وإصلاح المسلمين من حولك.

وأخيرًا: ما نوصيك به -ولدنا الحبيب- أن تخلص عملك لله تعالى، وأن تقصد بعملك وجه الله، فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه، فجاهد نفسك على أن تفعل عملك ابتغاء مرضاة الله تعالى، وطلبًا لثوابه، وبمرور الأيام ستجد أن الله تعالى يشرح صدرك، وستلقى منه -بإذن الله- التثبيت والإعانة.

نسأل الله تعالى لك الإعانة والتثبيت وأن يسر لك الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً