الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشكو من عدم توفر البيئة الصالحة من حولي، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب أعيش مع والديّ وثلاث أخوات، منذ أشهر عديدة منّ الله علي بنعمة الهداية والتوبة من الذنوب، ومنذ ذلك الوقت وأنا في صراع، هناك بضع مشاكل أريد أن أسألكم عن نصيحتكم لي تجاهها.

١- مشكلة أن أهلي يفعلون مخالفات مجاهرة: منهم من يتابع الأنمي، والمسلسلات، ويستمع الموسيقى، ويحتفظ بألعاب على شكل حيوانات ويلبس ملابس عليها صور، وأخواتي يلبسن البنطال (لست متأكداً من حكم هذه المسألة بالتفصيل) تقريباً طوال الوقت في المنزل، منهم من يتهم العلماء بالتشدد لإفتائهم بأن الموسيقى حرام، أو أن الإسبال حرام، ومن أقاربي من يفعل بعض هذه الأشياء حتى إن أحدهم يحب فكرة تخيل منطقة هاجمها (الزومبي) وفكرة مواجهتهم، وهناك من لديها هوس ضخم (بالمستذئبين) لا أدري ما حكم هذه المسألة، بل حتى إنها صنعت رسوماً متحركة فيها شخصيتان شاذتان! فماذا أفعل؟

صرت أخاف أن أفعل شيئاً معهم، أخاف أن أكون كمن يلعب مع شخص يدخن وهو يدخن، وكأني لا أبالي أنه يعصي، وأني أجلس بمجلس فيه معصية. حاولت النصح لبعضهم، ولكني أجهل أساليب النصح، وكلامهم يغضبني جداً.

٢- وسواس في العقيدة: قرأت كثيراً عن الوسواس، و-الحمد لله- صرت أعرف كيفية التعامل معه بشكل أحسن. مررت بأكثر من نوع من الوساوس، ولكن وسواس العقيدة هو الأشد حالياً، لن أدخل بالتفاصيل هنا، فقد يكون أجيب عن حالتي في سؤال لكني لم أجده. هذا الوسواس -ووسواس الردة- من أسباب إحساسي بالتوتر والخوف، شراء دواء أو الذهاب إلى طبيب نفسي مكلف لعائلتي.

٣- عدم وجود صداقات قوية: لدي أصدقاء، لكن من النوع الذي أذهب معه كل شهر مرة تقريباً، ليس لدي صديق أتسلى معه بشكل عادي، لست بمدرسة أو بجامعة كي أكون محاطاً بأولاد من فئة عمري.

بماذا أبدأ، وماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبادة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك، ولدنا الحبيب، في استشارات إسلام ويب.

أولًا: نهنئك بفضل الله تعالى ومنّه عليك بالهداية إلى التوبة؛ إن هذا فضل عظيم، ودليل على أن الله تعالى أراد بك الخير، فإنه سبحانه وتعالى إذا أراد بعبده خيرًا حبب إليه الخير، كما قال سبحانه وتعالى: (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم، وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان، أولئك هم الراشدون، فضلًا من الله ونعمة).

تحبيب الخير وتحبيب التوبة إلى القلب، والعمل الصالح نعمة كبيرة، ينبغي أن تشكرها، وشكرها يعني الثبات عليها، والدوام في ذلك؛ وأن تحذر من التنطع والغلو في دين الله تعالى، وأن تحذر من متابعة الوسواس؛ لأن الوسواس من الشيطان، والله سبحانه يكره منك أن تتابع الوسواس، وقد قال سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان).

أخبرنا الله في كتابه أن الشيطان حريص كل الحرص على أن يقع الإنسان المسلم في أنواع من الأحزان والأكدار، كما قال سبحانه: (إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا)؛ فالشيطان حريص كل الحرص على أن تعيش حياة مكدرة مليئة بالهموم لأنه بذلك يريد أن يصرفك عن الطاعات؛ فلا تبالِ أبدًا بهذه الوساوس، سواء كانت في العقيدة أو العبادة أو حتى في تعاملك مع الآخرين.

أما بخصوص الألعاب: عليك أن تعلم أن الأصل في الألعاب هو الإباحة والجواز، ما لم تتضمن قمارًا أو أي محرم من نوع آخر، وما لم تتضمن شيئًا من المحرمات، فإن الأصل فيها الحل، فلا ينبغي أبدًا أن تتشدد وتحكم على شيء بأنه حرام دون دليل واضح، وعلى فرض أن أحد أقاربك بالبيت لعب شيئًا من هذه الألعاب المحرمة، فإن دورك يكفي فيه أن تقوم بالتذكير والوعظ والتوجيه بأسلوب حسن، فإن استجابوا فالحمد لله، وإن لم يستجيبوا فلا إثم عليك.

إذا وقعت معصية في مجلس، فلا ينبغي أن تشدد على نفسك بحيث تظن أن الله تعالى سيكلفك بما لا تقدر عليه؛ ينبغي أن تنكر المنكر بقدر استطاعتك، وأن تراعي المصلحة في ذلك، وإذا كانت المصلحة في أن تقوم من هذا المجلس لوجود المعصية مع عدم حاجتك للبقاء، وعدم وقوع مفاسد أخرى من مفارقة المجلس؛ ففارق هذا المجلس، وهذا يكفي، فإذا فعلت ذلك فقد برئت ذمتك.

لا تحاول أن تعظم الأمور أكثر من ذلك، فإن الشيطان حريص أن يوقعك في الحرج، وأنت الآن لا تزال في مرحلة عمرية مبكرة، يغلب فيها النشاط والرغبة في الخير، ولهذا يحاول الشيطان أن يستغل هذه الرغبة؛ فنصيحتنا لك أن تطلب العلم الشرعي، وأن تسأل عن كل ما يعرض لك في حياتك، ولهذا ستعلم الموقف الصحيح الذي ينبغي أن تقفه.

أما ما ذكرته من وساوس الردة، فلا تلتفت إليها مطلقًا، ولا تخف على دينك؛ فإنك ما دمت تكره هذه الوساوس وتفر منها، فأنت على الخير، وهذا جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن جاءه يشكو إليه بعض الوسوسة في صدره، وأنه يكرهها ويخاف منها، ويفضل أن يحرق على أن يتكلم بها، فقال له -عليه الصلاة والسلام-: (ذاك صريح الإيمان).

أي أن هذا البغض والخوف من الوساوس دليل على وجود الإيمان في القلب؛ إذ لولا وجود هذا الإيمان ما شعر الإنسان بكل هذا الضيق بالوسوسة، وما ذكرناه لك من الإعراض الكامل عن هذه الوساوس، والإكثار من اللجوء إلى الله تعالى بالاستعاذة، والإكثار من دعائه سبحانه، والإكثار من ذكره، فإن هذا يطرد عنك الشياطين، نسأل الله أن يوفقك لكل خير.

أما في ما يخص الصداقات، فإن العلاج لها هو أن تخرج إلى المساجد، إلى بيوت الله تعالى، وتتعرف إلى الرجال الصالحين والشباب الطيبين في المساجد، وتحاول الجلوس معهم والتواصل معهم، وستجد -بعون الله- من يصلح لمصادقتك؛ ومن لديك من الأصدقاء ينبغي أن تحافظ عليهم، ولو بتواصل خفيف كل شهر مرة، فهذا خير من تركهم والانقطاع عنهم.

نسأل الله أن ييسر لك الخير، وأن يصرف عنك كل سوء ومكروه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً