الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أرغب بالزواج وأريد رجلًا في حياتي، فما السبيل لذلك؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذه المرة الأولى التي أتواصل فيها معكم، جزاكم الله خيرًا، وتقبل الله صالح أعمالكم.

أنا فتاة عمري 22 سنة، وأدرس في الجامعة، أنعم الله علي ورزقني بالالتزام في بداية حياتي الجامعية، التزمت بعد الكثير من الأخطاء والذنوب -والحمد لله دائمًا وأبدًا-، لا أعلم ما هو تشخيص أو وصف حالتي، لكن كل ما أعرفه أن لدي رغبة شديدة نحو الرجال، فأنا أتمنى وأريد وأرغب دائمًا بوجود رجل في حياتي، وأريد الاهتمام والحب..وأشياء كهذه، أغض بصري بقدر استطاعتي، ولا أتكلم مع أي غريب، وأتجنب أي شيء يوقعني في الحرام، ورغبتي في الحب والارتباط والزواج شديدة جدًا، أحيانًا أكره هذا الشيء، وأفكر بأني غير ملتزمة.

أفيدوني: هل هذا الشيء طبيعي، أم لا؟ وكيف أقلل من حدة هذا الأمر؟ على الرغم من انشغالي الدائم في الدراسة والقراءة والأعمال اليومية، ويومي مشغول دائمًا، وأريد نصيحتكم.

وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جهاد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -أختي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتكِ، وأن يعينكِ على الالتزام والاستقامة ظاهرًا وباطنًا.

أختي الفاضلة: هذه المشاعر طبيعية جدًا، فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من ذكرٍ وأنثى، ووضع في كل منهما ميلًا فطريًا تجاه الآخر، بهذا الميل يحدث الانجذاب والرغبة في الزواج، والتكاثر، وتتحقق السكينة والمودة والرحمة، كما قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}، هذه العلاقة تنمو وتبدأ بالتعاطف، وتحقق العديد من المقاصد الشرعية عندما تُنظَّم وفق ضوابط الشرع في القرآن والسنة، فالله سبحانه وتعالى هو الخالق، ويعلم ما يصلح وينفع خلقه، كما قال: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}.

لكن الانجذاب العاطفي المفرط والشديد الخارج عن الوضع الطبيعي قد تكون له أسباب متعددة، منها:

أولاً: التنشئة والتربية: قد يكون للتربية دور كبير في تنمية العاطفة، فالتنشئة العاطفية الدافئة تنمي الميول الوجدانية، مثل: الحب والعواطف، وعلى العكس قد تؤدي التربية القاسية إلى تنمية العدوانية والجفاف العاطفي.

ثانيًا: التعرض المفرط للرسائل العاطفية: فالإدمان على المحتويات العاطفية، مثل: المسلسلات الرومانسية، أو الرسائل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والروايات؛ تعزز الخيال، وتؤدي إلى تنمية مشاعر عالية قد تكون غير واقعية تجاه الجنس الآخر.

ثالثًا: المشاعر المفقودة، أو ما يسمى "الجوع العاطفي": الحياة القاسية، أو نقص التقدير والاحتواء في البيئة المحيطة لفترات طويلة يمكن أن يخلق رغبة شديدة في التقدير والحنان، مما يزيد من المشاعر العاطفية لدى الفرد.

أختي الفاضلة: هذه المشاعر ليست سلبية، إلا إذا دفعت الشخص إلى التجاوزات، أو الوقوع في الحرام -والعياذ بالله-، لذلك هناك عدة طرق لتهذيب شدة هذه المشاعر، منها:

أولاً: تقليل النظرة المثالية للطرف الآخر: النظرة العاطفية المجردة تجعلنا نركز على الجوانب الجميلة والإيجابية للطرف الآخر، ونتجاهل السلبيات، ولكن عند استحضار السلبيات المحتملة، والتفكير بواقعية، تتوازن النظرة وتقل المثالية المفرطة.

ثانيًا: ربط التقدير بالقيم لا بالأشخاص: من الأفضل أن تربطي علاقتكِ وتقديرك وإعجابك بالآخرين بالقيم، مثل: الصدق والوفاء والدين والأخلاق، بدلًا من ربطها بذات الأشخاص كأفراد أو أشكال، عندما يكون الأساس هو القيم تكون النظرة أكثر توازنًا.

ثالثًا: تقليل أو ترك التعرض لأي مثير عاطفي: خلال هذه المرحلة حاولي تقليل أو تجنب التعرض لأي محتويات تزيد من مشاعركِ العاطفية، مثل: المسلسلات، والأفلام، والروايات العاطفية، أو حتى مجالس الفتيات اللواتي يتحدثن فيها عن الطرف الآخر.

أخيرًا: اشغلي وقتكِ بأنشطة مفيدة، حاولي الانخراط في أنشطة فكرية أو بدنية تشغل عقلكِ عن التفكير في هذه المشاعر المبالغ فيها، مثل: قراءة الكتب العلمية، المشاركة في الفعاليات، أو ممارسة الأنشطة التي تتطلب جهدًا وانشغالاً تامًا.

عززي خوفكِ من الله تعالى، واستشعري رقابته دائمًا لصناعة حاجز من التقوى عند التفكير في أي تجاوز، وأكثري من الدعاء والتضرع إليه أن يحفظكِ ويثبتكِ على الطاعة، وأكثري من الاختلاط بالزميلات الملتزمات، واشغلي وقتكِ بالعلم النافع، وحفظ القرآن، وتنمية مهاراتكِ المختلفة، و-بإذن الله-، سيساهم هذا في إشغال حياتكِ بأمور مفيدة تبتعدين بها عن التفكير في العواطف المبالغ فيها، حتى يتم تفريغها في مسارها الصحيح بعد الزواج -بإذن الله تعالى-.

وإذا جربتِ ما ذكرناه، ولم تلاحظي تحسنًا، فننصحكِ باستشارة طبيبة نفسية لتقييم حالتكِ، فقد تكون هناك أعراض لحالات نفسية أخرى يتم تداركها في وقت مبكر.

وفقكِ الله ويسّر أمركِ.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً