الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخي يتسلط عليّ ويلزمني بطاعته كطاعة الوالد، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عمري ٢٨ سنة، والدنا متوفى، أخي الأكبر مني بسنتين سمع حديثًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- معناه: أن الأكبر من الإخوة بمنزلة الأب، وهذا الحديث رواه البيهقي في كتاب شعب الايمان، وسمع تفسيره من شيخ يقول الشيخ: إن تفسير هذا الحديث: إن الأخ الأكبر ليس بمقام الأب، ولكن له بعض حقوق الأب، وهي:

١ـ الاحترام.
٢ـ عدم الإساءة.
٣ـ الطاعة في ما لا يخالف الشريعة الإسلامية حتى لو كان الفرق سنة أو سنتين.

وللأسف هذا الأمر جعله يتسلط عليّ كثيرًا، ويقول لي: "أنا بمنزلة أبيك، وعليك طاعتي حرفيًا"، فإذا رآني جالسًا في البيت يقول لي: اذهب وأحضر لي خبزًا، اذهب وأحضر لي أكلاً، اذهب وأحضر كذا وكذا، يعاملني كأنني ابنه -عياذًا بالله- وأيضًا أشياء غريبة يأمرني بها، فلا أخرج من المنزل إلا بإذنه، ولا أسهر، وعليّ حفظ القرآن كاملاً، وأنا لا أريد؛ لأنه ليس فرضًا.

كرهت حياتي، أنا لست طفلاً صغيرًا، عمري ٢٨ سنة، وإذا تزوجت سأنجب، وهذا يأمرني بأشياء لا أريدها، حاولت نصحه، ولكن دون فائدة، ماذا أفعل؟

أن أعلم أن العلماء قالوا: إذا بلغ الابن، فليس لأبيه ولاية عليه، فكيف يأتي أخي، ويقول لي: اذهب وأحضر خبزًا، وهو قادر على الذهاب، لكنه يقول: كما أنك وأنت كبير تطيع أباك، وتذهب وتحضر له خبزًا، فعليك طاعة أخيك الكبير، كما تطيع أباك، فهل يجوز لي عصيانه؟

وأعتذر عن الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك بالموقع، ونسأل الله تعالى أن يُعينك على بر أخيك والإحسان إليه.

ولا شك ولا ريب -أيها الولد الحبيب- أن الكبير من الإخوة له منزلة تقتضي توقيره وإكرامه، وخاصةً إذا كان إنسانًا صالحًا، وقد جاءت أحاديث كثيرة ترغِّبُ في ذلك، ففي عموم توقير الإنسان الكبير يقول -عليه الصلاة والسلام-: (ليس مِنَّا مَن لم يُوقّر كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقَّه).

وفي خصوص الأخ الأكبر رُوي هذا الحديث الذي ذكرته في سؤالك، وقد رواه الطبراني والبيهقي؛ ولكنّه ضعيفٌ جدًّا، بل حكم عليه بعض العلماء بأنه موضوع، أي من قسم المكذوب على النبي (ﷺ) كما حكم بذلك الشيخ الألباني، وكثير من العلماء يقول هو ضعيفٌ جدًّا.

ولكن عموم الاحترام والتقدير للكبير مطلوب، والأخ الأكبر أولى الناس بهذا، وقد قال الرسول (ﷺ) لجواب الرجل الذي سأله (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: «أُمَّكَ، ثُمَّ أَبَاكَ، ثُمَّ أُخْتَكَ، ثُمَّ أَخَاكَ، ثُمَّ ‌مَوْلَاكَ ‌الَّذِي ‌يَلِي، ذَاكَ حَقًّا عَلَيْكَ وَاجِبًا وَرَحِمًا مَوْصُولَةً».

فالأخ الأكبر له حق التوقير والتبجيل، ولكن ليس له كل الحقوق التي للوالد، ولا تُنزَّل منزلته أيضًا بمنزلة الوالد من كلِّ وجْهٍ، إنما شُبِّه في هذا الحديث بمنزلة الأب؛ لأنه يتولى التوجيه والإرشاد والتعليم لإخوانه الصغار، فهو يقوم بمقام الأب لهم، كما أن بعض العلماء أوجب عليه أن يُنفق على إخوانه الصغار كما يُنفق عليهم الأب، وإذا كانت هذه واجباته وهذا دوره؛ فإن الصِّغار أيضًا ينبغي أن يُقيموه بمنزلة الأب، فيوقّروه ويُكرموه، ويرجعوا إليه في أمورهم، ويعوّلوا عليه.

أمَّا الطاعة المطلقة التي يتكلّم عنها أخوك، وأنه يلزمك أن تُطيعه كما تُطيع الوالد؛ فهذا غير صواب، وليس صحيحًا، ومن ثمَّ لا تأثم إذا لم تُطعه في كل ما يأمرك به، ولكن مع ذلك نوصيك بالحرص على فضائل الأعمال، وممارسة ما يكونُ سببًا لدوام الألفة بينك وبين أخيك، فإن الأخ ساعدٌ لك، تستعين به وتتكئ عليه، فلا ينبغي أن تفوّتَ هذا الحب وهذا الترابط بشيءٍ لا يضرُّك.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقكم جميعًا لما فيه الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً