الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل استقدام عاملة للعناية بوالدتي يعد تقصيرًا في برها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا متزوجة، وأم لثلاثة أطفال صغار، ومقيمة في بلد أجنبي، كل سنتين أقوم بإحضار والدتي لتعيش عندي؛ لأنها كبيرة في السن، وتعيش مع أبي بمفردهما، وهو لا يحسن عشرتها، كما أنها تحب زيارتي؛ لأنها تهرب من سوء المعاملة، وتشعر بالهدوء والسكينة معي.

في آخر زيارة لها كانت بحالة نفسية وصحية مرهقة، حاولت بكل قواي أن أساعدها كي تسترد عافيتها، لكن دون جدوى، وكانت دائمة البكاء والتوتر، ولم تعد تستطيع القيام بأي شيء بمفردها، حتى الحمام! وقد طلب مني زوجي أن تغادر أمي إلى البلد كي تتلقى العلاج الذي تحتاجه؛ لأن البلد الذي نقيم فيه كلفة العلاج به باهظة جدًا، ولكنني طلبت منه أن أبقيها عندي أكثر لعلها تتحسن، ولكن للأسف ازدادت حالتها سوءًا، وصرحت لي برغبتها في البقاء عندي؛ لأن أبي يسيء معاملتها، ويطلب منها أشياء أعجز عن ذكرها، رغم كل ظروفي وتعبي بين خدمتها وطلبات أولادي الصغار، فكرت بأن أبقيها عندي.

بعد 5 أسابيع أصبحت منهكةً جسديًا، وغير قادرة على تغيير أي شيء، وأصبح يسود في بيتي التوتر والضغط، فعدت معها إلى البلد، وبقيت لأسبوعين بعد أن أذن زوجي بذلك، إلى حين أجد من يخدمها.

أعرف ما تعانيه أمي من سوء المعاشرة منذ صغري، ولكن مع ضعفها ومرضها صار الوضع أكثر بؤسًا؛ فأبي لا يقبل أي نصيحة منا مهما توددت له؛ فهو عنيد، ولا يحترمنا بتاتًا، ولا يتكفل بأي مصاريف، وكل شيء من معاش أمي، ولكنه هو المتصرف فيه.

بعد الكثير من المحاولات استطعت أن أقنعه بأن أحضر معينةً لأمي، وأني سأقوم بدفع ما لا يمكنهم دفعه من الأجرة كي أستطيع الرجوع لبيتي وأطفالي.

فهل أكون بذلك مقصرةً في حق والدتي المريضة، التي لم يعد لها حول ولا قوة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سمية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أختنا العزيزة، وابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.

لقد سعدنا جدًّا بما ذكرته في استشارتك من محاولاتك للإحسان والبر بأُمّك، ونحن على ثقةٍ تامّة من أن هذا الجهد الذي تبذلينه في برّ أُمك، والإحسان إليها لن يُضيعه الله تعالى، وأنه سيُخلف عليك خيرًا منه؛ فإن الوالد أو الأم أفضل طريق يصل به الإنسان إلى الجنّة، كما قال النبي الكريم (ﷺ): "الوالد أوسط أبواب الجنة"، والجنة عند قدم الأم كما جاء بذلك الحديث، أي أن الجنة تُنال بسبب الخضوع للوالدة، والإحسان إليها، فنسأل الله تعالى أن يأجرك فيما فعلت، وأن ييسر لك المزيد منه.

وممَّا لا شك فيه أن أُمّك بحاجة إلى مَن يقوم على رعايتها وخدمتها في هذا السن، وبهذه الحال، وهذا واجب على أبنائها وبناتها جميعًا، كلٌ بحسب قدرته، فمن يستطيع أن يُباشر الخدمة بنفسه فليفعل، ومَن لم يستطع، وكان قادرًا على أن يُنيب عنه شخصًا آخر، بأن يستأجره ليقوم بالخدمة، فهذا واجبُه أيضًا، وقد وفقك الله سبحانه وتعالى إلى فعل ما تستطيعينه من الرعاية والإحسان لأُمّك، فأنت معذورة في عدم البقاء معها بسبب سفرك مع زوجك وأولادك، ومعذورة في عدم إبقائها معك في بيتك، فإن ذلك يحتاج إلى إذن الزوج ورضاه، وأنت معذورة في هذا كلِّه.

ولكن الواجب الشرعي يتحقق -بإذن الله تعالى- إذا أعنت أُمّك بما تقدرين عليه من المال، وتوفير مَن يقوم بخدمتها، فإذا فعلت ما تقدرين عليه فلست مقصّرةً، بل مُحسنةً، وبارَّةً؛ فاحتسبي أجرك عند الله، واعلمي أن الله لا يُضيع أجر مَن أحسن عملًا، وأكثري من الدعاء لأُمّك، ولا تيأسي من إصلاح والدك، وترقيق قلبه، وإن كان لا يسمع لنصحكم فحاولوا أن تستعينوا بالتأثير عليه بواسطةٍ مَن يُؤثّر عليه، سواءً من أقاربه أو أصدقائه.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً