الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

استخفاف أسرتي بي أثر على شخصيتي، فكيف أتجاوز ذلك؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا بعمر 17 سنة، أدرس في المرحلة الثانوية، في الصف الثالث، لدي طموحات جامعية كبيرة -ولله الحمد-، دائمًا ما كنت متفوقةً في دراستي، والمشكلة أني لا أتلقى تقديرًا من طرف عائلتي، سواءً في الجانب الدراسي، أو العاطفي؛ مما دفعني للتفكير في الزواج منذ عمر صغير، وصار هذا الأمر يشغل تفكيري كثيرًا.

كنت دائمًا وحيدةً؛ بسبب منع أسرتي لي من الاختلاط بالآخرين، وبُعد إخوتي عني، فأقربهم لي عمرًا يكبرني ب 12 سنة، بينما هم قريبون من بعضهم، وتربوا مع بعض.

الذي دفعني للتفكير في الزواج لدرجة تأثير الأمر على دراستي بشكل كبير هو احتقارهم لي منذ بدأت أكبر قليلاً، أي منذ عمر 10 سنوات تقريبًا، فكثيرًا ما كنت أسمع عبارات من قبيل: -أكرهك-، أو -ما عدت أتحمل حتى السلام عليك-، ليس على سبيل المزاح، وإنما بجدية.

كما كانوا يطردونني كلما حاولت مجالستهم، ويجعلونني أضحوكة كل مجلس، وربما الأمر مضحك بالنسبة لهم، ولكن ذلك أثر علي بشكل كبير، وسبب لي ضعفًا في شخصيتي، وانتقاصًا لها، لا زلت أعاني منه إلى الآن، صرت أتوق لليوم الذي أترك فيه البيت لأعيش مع شخص يقدر الأشياء الصغيرة بي.

كما أن الأمر لا يقتصر على الإخوة فقط، وإنما أمي كذلك، التي لا تفتأ تذكرني بهزالي الجسدي الذي سببه الاكتئاب، وكل شيء لبسته لا يناسبني، وأبي الذي حين أحصل على النتائج الدراسية آتي إليه متحمسةً لسماع شيء منه مثل: -بارك الله فيك يا ابنتي-، ولكنه يقول لي: عليك تقبيل رأس من سبقوك -مستهزئًا-.

رغم أن أسرتي متدينة، وكوني أول من يلبس الحجاب الشرعي فيها، إلا أنني قوبلت بالتهكم، والنعت بالسلفية، وما إلى ذلك.

منذ أربع سنوات التقيت بشاب صار من العائلة بعد زواج أخي، ولم تجمعني به مجالسة، أو كلام، لكنني أعجبت به، لتدينه، وخلقه، وحسن معاملته، لمن حوله، وخاصةً علاقته الجميلة بأخته -زوجة أخي-، فأقول في نفسي: إن شخصًا يعامل أخته هكذا لا بد أن يعامل زوجته بمودة ورحمة، فصرت أدعو منذ ذلك الوقت بأن يخطبني، وينقذني مما أنا فيه، ولكن الأمر قد طال.

أكتب -والله- والدموع تنزل؛ فقد تعبت كثيرًا من الوضع، وكاد صبري أن ينفد، وأخاف على نفسي من اقتراف ما لا تحمد عقباه، فبماذا تنصحونني؟

وجزاكم الله خيرًا، فأنتم آخر ملجأ لي بعد الله تعالى.

نفع الله بكم، وجزاكم كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ طائعة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يهدي من حولك من الإخوة، وأن يصلح الأحوال، ونسأله تبارك وتعالى أن يعين الأسرة على تفهم احتياجاتك، وأن يعينك أيضًا على شغل نفسك بطاعة الله، وبما يرضيه.

نحن نعتقد أن من كتبت هذه الاستشارة، قادرة بتوفيق من الله تبارك وتعالى على أن تستأنف حياتها بنجاح؛ فأنت -ولله الحمد- تجاوزت المراحل التي عانيت فيها من الاستهزاء والسخرية، سواءً كانوا مازحين، أو جادين في ما فعلوه، وبالتالي فالإنسان الذي يفهم أبعاد هذه الأمور، من السهل عليه أن يتجاوزها مستعينًا بالله تبارك وتعالى.

احرصي دائمًا على أن تشغلي نفسك بطاعة الله، وازدادي تمسكًا بدينك، وكوني مع الصالحات من الصديقات، فإذا وجدت من تعينك على طاعة الله تبارك وتعالى فإن ذلك سيخفف عنك، ويعوضك عن الكثير.

أما بالنسبة لمسألة الارتباط، ومسألة التفكير في شاب معين: فنحن لا نؤيد هذه الفكرة؛ لأن الإنسان لا ينبغي أن يستعجل في مثل هذه الأمور، حتى يتأكد من أن الطرف الثاني يبادله نفس الشعور، وحتى يأتي هذا الرجل إلى البيت من الباب.

كما أن الأنثى قد تُخدع ببعض المواقف، أما الرجل فهو مختلف في تفكيره، ولذلك نتمنى أن تحافظي على حجابك وسترك، وتظهري أجمل ما عندك، وخاصةً في تجمعات النساء؛ لأنك في هذه الحالة ينبغي أن تعلمي أن كل امرأة تبحث عن أمثالك من الفاضلات لولدها، ولأخيها، ولابنها، وابن أخيها، وأي محرم من محارمها.

لكن التركيز على شيء معين، وانتظار مثل هذه المواقف قد لا يكون من مصلحة الفتاة، ولكن لا مانع من أن تسألي الله من فضله، وتشغلي نفسك بما خلقت له، وبتطوير مهاراتك الحياتية، وبالاهتمام بدراستك، وبكل ما يمكن أن يفيدك في مستقبل أيامك، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يضع في طريقك من يسعدك.

إذا كان هذا الشاب فيه خيرًا، فنسأل الله أن يسهل أمرك وأمره، وإن كان غير ذلك فنسأل الله أن يهيئ لك من يسعدك، ولا نؤيد أيضًا فكرة الاستعجال والخروج من المنزل لمجرد الضيق؛ فإن الإنسان ينبغي أن يخرج في الوقت المناسب، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعين والديك وإخوانك على تفهم احتياجاتك، وأن يلهمك السداد والرشاد، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً