الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ابتليت بذنب أذهب لذة العلم ورقة القلب.. ما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله الذي منّ علينا بنعمة الإسلام، والصلاة والسلام على النبي الأمّي. أما بعد:
يقول: سفيان الثوري -رحمه الله-:
يا نفس توبي، فإن الموت قد حانا
واعصي الهوى فالهوى ما زال فتانا

أنا طالب علم، أحفظ كتاب الله، وما يحزنني أني مذنب مقصر في حق الله، قال الله تعالى: (أن تقول نفس ياحسرتى على ما فرطت في جنب الله) والذي نفسي بيده جُلُّ ما أريده الابتعاد عن المعاصي، فقد ابتليت بذنب أذهب لذة العلم، ورقة القلب، وأفسد القلب، فوالله أحاول، لكن لا أستطيع، فإن النفس أمارة بالسوء، وأعلم أن هذا ليس مبررًا، لكني -والله- أريد أن أكون عبدًا نقيًا وليًّا من أولياء الله، لكن الشيطان -لعنه الله- يزين لي ذلك الذنب.

أريد الرجوع، أريد ترك كل شيء، أريد الخلاص، أريد قوة الإيمان، أريد الطريق.

بارك الله فيكم، وصلّ اللهم على سيدنا محمد وسلم تسليمًا كثيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ صلاح حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخي الفاضل- في استشارات إسلام ويب، وأسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.

أخي العزيز: هنيئًا لك طلب العلم، وحفظ كتاب الله تعالى، ونسأل الله أن يتم عليك النعمة والخير، وأن يزرقك الطاعة، ويقويك على الخير أينما كنت.

اعلم أخي العزيز: أن الشيطان يفطن للمداخل التي يضعف منها الإنسان، خصوصًا في سن المراهقة، وهي غالبًا مدخل الشهوة، وما يصاحبها من سلوكيات وانحرافات، فسن المراهقة سن اندفاع وثوران للشهوة، ويحتاج الشاب أن يربي نفسه، ويقوي علاقته بربه حتى يستطيع مواجهة هذا الاندفاع، والحمد لله فما نهانا الله تعالى عن شيء، إلا وكان تركه ممكنًا، ولا يلحق بالتارك أي ضرر، وما أمرنا بفعل إلا كان الفعل فيه خير للفاعل.

لذلك -أخي العزيز- يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)، وبهذا التوجيه يغلق على الشيطان أهم مداخله لقلب المسلم، فالزواج علاج للشهوة لمن استطاع على الباءة، وتأسيس أسرة وعائلة، ومن عجز عن مؤنة الزواج عليه بالصوم، فإن الصوم يضيق على الشيطان تزيينه للتفكير في الشهوات، ويشغل القلب بالطاعات عن الشهوات، ومن هذا الحديث يتبين أن هناك أمورًا مهمة تحمي الشاب من اندفاع الشهوة، وتساعده على تحصين نفسه، ومنها التالي:

أولاً: الاجتهاد في غض البصر، فالنظرة سهم من سهام إبليس، والعين إذا نظرت تطلع القلب إلى المنظور، ورغب فيه، لذلك ربط الله بين غض البصر وحفظ الفرج في سياق واحد، فقال تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون) فالتساهل في النظرة المحرمة ينكت في القلب نكتة سوداء، حتى يجعل القلب مظلمًا عن الخير والطاعات، وضعيفًا أمام الشهوات، فاجتهد في غض بصرك عن الحرام أينما كنت، سواء مواقع التواصل، أو الفضائيات أو في الشوارع... إلخ، فهذا من أعظم ما يعينك على حفظ نفسك، ويخفف الرغبة في قلبك بشكل كبير.

ثانيًا: الفراغ وكثرة الخلوة بغير فائدة، فالخلوة تعطي العقل فرصة ليجول ويسترسل في الأفكار، وإذا اجتمع مع الخلوة وسائل المعصية التي تتيح النظرة المحرمة، فإن الشهوة تثور في النفس، فتجنب الخلوة بغير فائدة وطاعة لله.

ثالثًا: عدم الإفراط في الأكل، ففي الحديث السابق أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم-، إلى الصوم، فالصوم يشبه الوجاء وهو "الخِصاء" في صرف النفس عن الرغبة في الشهوات، وبالتالي فالصيام وتقليل الأكل يضعف التفكير في الشهوة ودوافعها، فأكثر من صيام النوافل، وقلل الأكل عمومًا قدر استطاعتك.

رابعًا: أصدقاء السوء، فهم يرغبون في المعاصي، ويزينونها في النفس، فترك رفقاء السوء، ومن يتحدث عن الشهوات، أو من يسهلها، أمر مهم لحفظ النفس.

خامسًا: الانشغال بطلب العلم، والإكثار من الذكر والدعاء، فكل هذا يملأ النفس شغلاً بطاعة الله، ولا يجعل في القلب متسعًا لهذه الشهوات.

أخيرًا أخي: خاطب نفسك وعاتبها، وأخبرها بقدرها العالي، فهي تحفظ القرآن وتطلب أشرف العلوم، أخبرها أن تعلو بهمتها وتسمو بما منحها الله من شرف حمل القرآن والعلم الشرعي، ولا تسفل إلى الشهوات وأهلها، فهي أسمى وأكبر من ذلك.

أكثر -أخي- من الدعاء والالتجاء إلى الله، واعمر وقتك بكل مفيد وطاعة، كمجالسة أهل العلم والصالحين، وسماع المواعظ، ولا تستهن بصغائر الذنوب، فإنها تجتمع على القلب فتهلكه.

أسأل الله أن يطهر قلبك، ويشرح صدرك للخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً