الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سافرت للدراسة بالخارج لكن ضميري يؤنبني بسبب مرض أمي!

السؤال

عمري 22 عاماً، وأمي مريضة نفسياً منذ فترة طويلة، وأمي وأبي انفصلا عندما كنت في الخامسة من عمري، فذهبت أختي وعمرها الآن 20 سنة مع أمي، وأنا كنت مع أبي، وبقيت ببيت جدي حوالي 8 سنوات، وعادت أمي لأبي مرة أخرى.

أمي تتصرف بتصرف سيئ تجاه أبي وتجاهنا، فهي لا تغسل، ولا تنظف، ولا تطبخ، وحتى إن فعلت تفعل هذا من أجل نفسها، أو من أجل الوسواس الذي بداخلها، والصراحة أبي إنسان طيب، ولا يبخل علينا بشيء.

حاولت أختي أن تأتي بشيخ لعلاج أمي، والشيخ قال أمكم ليست مسحورة، وإنما تعاني من مرض نفسي، وأمي لا تريد أن تذهب للمستشفى، وبعدها مضت الأيام، وأنا تحصلت على منحة دراسية لدراسة البكالوريوس في دولة غربية، وها قد تحقق حلمي، حلم الطفولة في الدراسة في الخارج، وقبل أن أذهب ضميري أنبني؛ لأنني مقصر في حق أمي؛ لأنني لم أشعر يومًا أنني أمتلك أمًا!

قبل أن أسافر ذهبت لمستشفى أمراض نفسية، قالت لي الطبيبة إن أمك تحتاج إيواء، ثم علاج، وقالت حالتها حالة فصام، وهذه الحالة ستبقى طوال عمرها بالأدوية، قلت سأسافر لأُحقق حلمي، ووالدي وأختي سيهتمون بها.

سافرت وبدأ ضميري يؤنبني، وأخبرت والدي بذلك، فقال لي: أمك اتركها لله، أنا أعرف أنه قد مل منها، وضميري يؤنبني؛ لأني لم أسع يومًا لعلاجها، ويقول لي ماذا لو حصل لها شيء، ولم تر أمك مرة أخرى؟ سوف أصبح نادمًا طوال حياتي! مع أني لم أشعر يومًا بأنها أمي، ولكن هذا قدرنا في الحياة، في النهاية هي أمي.

ماذا أفعل، هل أترك حلم طفولتي وأرجع لبلادي، وأحاول أن أسعى لعلاج أمي، والله سيعوضني أفضل من هذه الفرصة؟

أخبرني: ما هو الأصلح لي في الدنيا والآخرة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخي الفاضل- في استشارات إسلام ويب، وأسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.

أخي العزيز: هنيئا لك هذا البر بأمك، والرغبة في خدمتها والقرب منها، وهذا لا شك أنه من أرجى الأعمال عند الله تعالى.

أخي العزيز: ما دام أن حالة أمك كما أخبرك الأطباء أنها تعاني من فصام يحتاج إلى إيواء، وعلاج يلازمها بقية عمرها، كذلك هي مع هذا المرض النفسي لا تشعر نحوك بعاطفة الأمومة وأنت كذلك، فإذا كان الحال كذلك فهي معذورة في عدم إعطائك حق الأمومة من مشاعر وحب، وأنت معذور في عدم الشعور نحوها بمشاعر الأم؛ لأن هذا خارج عن إرادتك وإرادتها.

أخي العزيز: لا شك أن عاطفة البر تتحرك في قلبك، فتشعر بالألم والحزن، لذلك لا بد من أن تحقق الموازنة عبر طرح مجموعة أسئلة على نفسك، هل ستستفيد أمك نفسيًا وماديًا وصحيًا من بقائك بقربها؟ وهل ذهابك سيسبب لها ضررًا؟ وهل هناك من سيقوم برعايتها خلال غيابك ويوفر لها ما تحتاج؟ هل والدك وأختك يقدمون لها الخدمة التي تريد؟ هل هذا المرض يمكن علاجه والتعافي منه أم لا؟ هذه الأسئلة لا بد من أن تطرحها، وأن تجيب عنها بعناية لتستطيع أن تقرر.

فإن كان في البقاء مصلحة وفائدة، وفي غيابك ضرر، فرعاية أمك أولى من الابتعاد عنها، والله سيأجرك على هذا البر وسيعوضك خيرًا، وإن كان المرض الذي فيها لا يرجى الشفاء منه، أو لن تستفيد من بقائك بجوارها ويوجد من يرعاها ممن تثق بهم، ويمكنك الاطمئنان عليها دائمًا، فلا بأس أن تكمل دراستك وتجتهد في زيارتها كلما تهيأت فرصة لذلك، كما يمكنك في غيابك أن تساهم في جمع المال الذي يساعد في علاجها أو التخفيف عنها وهذا من البر.

ننصحك أخي العزيز في الاجتهاد في الاستخارة، والدعاء والتضرع لله أن يختار لك الخير، وأن يشفي أمك ويذهب عنها البأس.

أسأل الله أن يشفي أمك، ويذهب عنها البأس، وأن يأجرك على برك بوالديك ويعينك على الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً