الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

متردد بين تخصص البرمجيات والمجال الديني..فما النصيحة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا طالب متفوق في الإعلامية، منَّ الله علي بموهبة في البرمجة والحواسيب، ولكن في هذه السنة سأقوم باختيار الشعبة والمجال الذي سأتخصص فيه، فبدأت أبحث أكثر في الموضوع رغم أني طوال حياتي كنت أرغب وأقول: سأختار مجال الإعلامية، وسأشتغل عند شركة للألعاب، أو في المواقع.

الحمد لله في هذه السنة تبت توبة نصوحا، وتعمقت أكثر في الدين، وعلمت أن جميع الألعاب الآن محرمة؛ لاحتوائها على موسيقى، أو نساء، أو تضييع للوقت، وذلك ما جعلني في حيرة، فأنا لا أود أن أعمل عملاً لا يرضي الله، فهل علي أن أترك هذا المجال وأتجه إلى مجال ديني؛ كشيخ، أو إمام؟

وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسني حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك -ابني العزيز- في استشارات إسلام ويب، وأسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.

ابني العزيز الحمد لله تعالى الذي شرح صدرك للتوبة النصوح، وجعلك تسلك طريق التفقه في الدين فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)، ونسأل الله أن يثبتك على الطاعات، وينفع بك هذه الأمة.

ابني العزيز: لعلك تقصد بـ(الإعلامية) تخصص الإعلام فهذا التخصص لا يرتبط بالبرمجة والحواسيب؛ وبالتالي فمجال الألعاب والمواقع مختص بمجال آخر هو (البرمجة ونظم المعلومات)، أما الإعلام فمتخصص في فنون إيصال الرسائل التوجيهية سواء المسموعة، أو المقروءة، أو المرئية عبر وسائل الإعلام المختلفة.

وعلى كل حال فإن كان قصدك مجال الإعلام أو البرمجة ونظم المعلومات: فلا شك أنها علوم تُعرف بعلوم الوسائل، فهي علوم تختص بإعداد الوسائل لتقديم محتوى ما؛ وبالتالي فكلما كان المحتوى الذي تقدمه مفيداً وغير مخالف لتعاليم الإسلام كانت هذه العلوم مباحة وليست من المحرمات، فلغات البرمجة المختلفة أصبحت اليوم وسيلة صناعة البرمجيات المختلفة من تطبيقات ومواقع وغيره، ومن هذه المواقع والتطبيقات بلا شك ما يحتاجه المسلم في أمور دينه ودنياه، ومنها ما يمكن أن يخدم الإسلام بشكل كبير، وأبسط دليل على ذلك هذا الموقع المبارك الذي نرد عليك من خلاله فهو حصاد عمل برمجي في الأساس، فهذه البرمجيات يمكن أن تحقق نفعاً للمسلمين ولا تجعلهم بحاجة إلى غيرهم ممن يتحكمون فيها، ويقدمون من خلالها أفكارهم وثقافتهم للآخرين.

ابني العزيز: لا شك أن طريق العلم والدين وحفظ القرآن شيء مهم، ويصون الإنسان فيه نفسه وقلبه عن المعاصي -بإذن الله-، ولكن لا يوجد أي مانع أن يجمع الإنسان بين مجالات علمية دنيوية وبين طلب العلم وحفظ القرآن وتعلم الشريعة، فبتنظيم الوقت وتحديد الأهداف والاجتهاد والصبر يحقق الإنسان ما يريد، والمجتمع المسلم بحاجة إلى الطبيب، والمهندس، والمبرمج، والمخترع المسلم الصالح التقي صاحب الخلق والسمت الإسلامي، الذي يكفي المسلمين شر التجائهم إلى غير المسلمين.

لذلك -ابني العزيز- ما دام أن الله أعطاك موهبة في البرمجة، وجعلك تتفوق في مجال الحواسيب والمواقع فلماذا لا تسخر هذا المجال في خدمة الإسلام؟ فتنتج البرمجيات الإسلامية والتطبيقات التي تخدم الدعوة، والمواقع التي تعرف بالإسلام وترد الشبهات عنه، وأنت بذلك تكون الداعية الموفق المسدد -بإذن الله-، وفي نفس الوقت يمكنك أن تحفظ القرآن، وتطلب العلم، وتتفقه في الدين ولا يتصادم ذلك مع الدين أو التدين، فلا يوجد تصادم بين المجال المهني الذي تعمل فيه وبين طلب العلم إلا إذا كان فيه محرم لذاته، أو فيه وسائل تفضي إلى الحرام، فمجال الألعاب يتم تنقيته من المحرمات الموجودة فيه، ويقدم للمجتمع المسلم كألعاب تتناسب مع ثقافتنا الإسلامية؛ كألعاب تشرح الإسلام، وتعلم الأطفال تعاليم الدين وهكذا، وكل هذا لا يتعارض أبداً مع تعلمك للدين والتفقه فيه، وهذا يقال في أي تخصص علمي يقدم الوسائل سواء الإعلام، أو غيره من العلوم التطبيقية الدنيوية.

لذلك ابني العزيز -وفقك الله-: وأنت في مقتبل العمر، وبهذه الهمة العالية، وقد أعطاك الله موهبةً ربما تجعلك تبدع وتتفوق في مجالٍ الأمة المسلمة اليوم بحاجة للمبدعين فيه، فننصحك أن تواظب على حفظ القرآن، وتطلب العلم عند العلماء، وفي نفس الوقت تخدم الإسلام وتكون داعيةً ينفع المسلمين في تقديم برمجيات، وصناعة مواقع وتطبيقات تُعرِّف بالإسلام، وترد عن الإسلام الشبهات، وتساعد أبناء المسلم في التعلم والتفوق، وهذا من أنفع الوسائل الحديثة لخدمة الإسلام، فإن عجزت عن هذا الجمع المتوازن -وهو الأفضل- مع الابتعاد عن الحرام، ووجدت أنك ستخسر دينك، أو تتراجع في الخير، فلا شك أن الدخول في تخصصات الدين، أو التفرغ لطلب العلم الشرعي مقدم على غيره، وهو أحوط لدينك.

أخيراً: ننصحك بالاستخارة والدعاء لله تعالى أن يشرح صدرك للخير، ويُبصِّرك بطريق الدعوة والنفع للإسلام.

أسأل الله لك التوفيق والسداد في حياتك، وأن يجعلك ذخراً لهذه الأمة وينفع بك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً