الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشك كثيرًا في طهارتي وأكرر الغسل عدة مرات، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

أنا أعاني من وسواس الطهارة، ووسوستي شديدة جدًا، وأعلم بذلك، ولكن لا أسطيع التخلص منها، والله أكتب لكم هذه الرسالة وأنا في حالة نفسية سيئة جدًا، وأبكي!

اغتسلت من الحيض 4 أو 5 مرات، وفي كل مرة أخرج من تحت الماء وأنا متأكدة أنني انتهيت، ولكن بعد خروجي من الحمام أبدأ أشك في أماكن معينة، مرة هل وصل الماء بين الرجلين أم لا، ومرة هل وصل الماء إلى السرة أم لا، ومرة هل غسلت وجهي أم لا، أجد نفسي أعيد وأكرر!

علمًا بأنني أغتسل الاغتسال الكامل، وأنوي بداخلي، أغسل يدي ثلاث مرات، وأتمضمض وأستنشق، ثم أغسل موضعي، ثم أتوضأ وضوء الصلاة، ثم أشرع في غسل شعري ثلاث مرات، ثم الجانب الأيمن من جسدي، ثم الأيسر، ثم صب الماء على جسمي كله، مع المضمضة، والاستنشاق من جديد، ثم غسل الرجلين والانتهاء، وطوال الوقت أدعو بداخلي: ربي طهرني واجعلني من المتطهرين، ولكن بعد خروجي أبدأ أشك في أماكن معينة مثل غسل الوجه، السرة، بين الرجلين، وداخل الأذن... إلخ.

الآن أنا أشك هل غسلت وجهي أو لا، وأغلب الظن لدي أنني غسلته، ولكن ما زلت شاكة أيضًا، سئمت تكرار الاغتسال، والله إنني وصلت إلى 4 أو 5 مرات، وأخاف أن أكون قد قصرت في شيء، هل ربي سوف يقبل غسلي؟ كل هذه الأفكار تراودني، ولا دليل لدي على صحة غسلي، سوى ذاكرتي التي تسيطر عليها الوسوسة.

أهلي لا يعلمون بشيء، ولكن بدؤوا يلاحظون كثرة اغتسالي هذه الأيام، وأخاف أن أقع في مشاكل، فلا أحد يعلم بما يحصل معي من الوسوسة في طهارتي كثيرًا.

أرجوكم ساعدوني، هل أعيد اغتسالي أم لا؟ وهل ألتفت إلى شكي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب.

أولًا: نسأل الله تعالى أن يَمُنَّ عليك بعاجل العافية والشفاء من هذه الوساوس، وأن يصرف شرّها عنك.

ثانيًا: اعلمي -ابنتنا الكريمة- أنه لا دواء لهذه الوسوسة إلَّا الإعراض عنها تمامًا بتحقيرها، وعدم الاهتمام بشأنها، فإذا صبرت على تناول هذا الدواء، فإن الله تعالى سيصرف عنك هذه الوسوسة، فهو دواؤها الناجع.

واعلمي أن الله تعالى رحيمٌ بعباده، لطيفٌ بهم، يسّر لهم الدين، وقال في كتابه الكريم في آية الطهارة: {ما يُريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يُريد ليُطهركم وليتمّ نعمته عليكم}، فالدّينُ يُسر، والشريعة سهلة سمحة، ومن يُسْر هذه الشريعة وسماحتها ما جاءت به من أحكام خاصّة بالموسوس، ومن ذلك أمر الموسوس بالإعراض التامّ عن الوسوسة، وعدم الاشتغال بها، وعدم بناء الأحكام على أسئلتها، ولذلك قال العلماء:

والشكُّ بعد الفعل لا يُؤثّرُ ... وهكذا إذا الشكوكُ تَكْثُرُ

فمن كثرتْ شكوكه وزادت وساوسه فالشرع أسقط عنه الالتفات لهذا الوسواس، فكلَّما جاءك الشيطان بعد العبادة يقول لك: إنك لم تغسلي الموضع الفلاني، أو لم يصل الماء إلى المكان الفلاني؛ لا تلتفتي إلى هذا، واعلمي أن عبادتك التي فعلتها مقبولة صحيحة، وأن الله تعالى يرضى عنك بها، ولا يرضى لك أبدًا أن تتابعي الوسواس، فإن الوسواس من الشيطان، والله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان}.

فمتابعتك للوسواس وإعادتك للاغتسال ليس فيه رضا للرِّب، بل فيه إغضابٌ له ومتابعة للشيطان، فإذا فهمت هذا سَهُلَ عليك أمر العبادة، وعلمتِ أن العبادة لا تحتاج إلى تكرير بسبب الوسوسة، وأن الله تعالى يغضب إذا كررتِ، ولكنّه يرضى بأن تفعلي مرة واحدة، مهما حاول الشيطان أن يُقنعك بأن فيها قُصوراً أو نقصاً أو فساداً، لا تلتفتي لذلك الوسواس.

فإذا فعلت هذا وصبرت على هذا الطريق فإنك ستجدين العافية عن قريبٍ -بإذن الله تعالى-. المهم أننا نطمئنك أن عبادتك صحيحة بدون إعادة، لا تُعيدي وضوءًا، ولا غُسلاً، ولا صلاةً، هذا هو دواؤك إذا كنت حريصةً على التخلص من هذا الشر العظيم.

نسأل الله تعالى أن يَمُنَّ عليك بعاجل العافية والشفاء.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً