الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تكاليف الرجال أصعب، فلماذا يتساوون مع النساء في الأجر؟

السؤال

سمعت أن هناك صحابية تدعى أم عمارة، اشتركت في عدة غزوات، وسؤالي: طالما يُسمح للنساء بالمشاركة إذاً فلماذا لا يصبح الجهاد واجباً على النساء؟

لماذا نُكلف كرجال دائماً بتكاليف واجبة، ليست اختيارية، وصعبة وشاقة، وفي النهاية تجد في الإسلام ما يثبت أن كل جهد الرجال يعدله أمر يسير من أعمال النساء، كحسن التبعل، والحج والعمرة، كما ورد في الأحاديث، فأين حقنا وتعبنا نحن كرجال؟ ولِمَ نقوم بأشياء صعبة، ونتساوى مع غيرنا في التعب؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به، إنه جواد كريم.

أخي الكريم: سؤالك هذا جيد جداً، لماذا نكلف نحن الرجال دائماً بتكاليف واجبة ليست اختيارية، وصعبة وشاقة؟ ونريد منك -أخي- أن تساعدنا في الإجابة على سؤال مماثل قبل أن نجيبك نحن.

السؤال هو: لماذا النساء يتحملن من آلام الحمل والولادة والوضع، وما يصاحبه من التعب ما لا يستطيع أكابر الرجال تحمله، وهو أمر إجباري لا اختياري؟ لماذا النساء كل شهر يتحملن آلام العادة الشهرية، وما يصاحبها من آلام دون الرجال وهو أمر إجباري، لماذا تتعب النساء كل هذا التعب ثم تتساوى مع الرجال الذين لا يتعبون نصف هذا التعب ولا عُشره؟!

ما جوابك -أخي- على هذا السؤال؟ خاصة والنساء يتحدثن عن واقع معايش، وليس عن وضع غير موجود، فأنت مثلاً قد تعيش وتموت دون أن تجاهد، أو تحمل سلاحاً، لكنهن كل شهر يعانين هذه الآلام، وكل عام تعاني الحوامل، وعلى مدى شهور هذا التعب؟!

جوابنا عليهن وعليك -يا محمد- أن الله هو الخالق المدبر للأمور الذي يعلم كل شيء، هو الحكيم الذي يضع الشيء في موضعه، هو الذي لا يُسأل عما يفعل، والمؤمن عليه أن يدرك ذلك.

ثم إن أم عمارة وغيرها من النساء المجاهدات ما فعلن ذلك إلا لما رأين فضل الجهاد وعظم أجره، فقد أدركن أن الجهاد مدرسة لفرْز الصادق من المدَّعِي؛ كما قال الحق - جلَّ في علاه -: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31]. وأن ثمنه الجنة {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 218]. وأنه دليل الصدق مع الله {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15].

علامة الإيمان الحق {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 74]، وأنهم أهل الفوز العظيم {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [التوبة: 20].

كذلك هو سبيل النجاة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، لذلك سارعن إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألنه من هذا الفضل الذي أسميته تكليفاً!

استمع معنا إلى الحديث الذي استشكلته، وقارن أوله بآخره، وقارن الحديث بما ذكرنا قبل: روى مسلم بن عبيد أنها أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو بين أصحابه فقالت: بأبي وأمي أنت يــا رســول الله، أنا وافدة النساء إليك، إن الله -عز وجل- بعثك إلى الرجال والنساء كافةً، فآمـنــا بـك وبإلهك وإنّا -معشر النساء- محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحـامــلات أولادكم، وإنكم -معشر الرجال- فُضلتم علينا بالجُمع والجماعات، وعيادة المرضى، وشـهـود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله -عز وجل- وإن الـرجــل إذا خــرج حـاجـاً أو معتمراً أو مجاهداً، حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا أثوابكم، وربينا لكم أولادكم، أفما نشـاركـكـم الأجر والثواب؟! فـالـتـفـت الـنـبـي إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال: هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر ديـنـهـا مــن هـذه؟ فقالوا: يا رسول الله ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا، فالتفت النبي إليها فقال: افهمـي أيتها المرأة وأَعلِمي مَن خلفك من النساء أن حسن تبعُّل المرأة لزوجها (أي حُسن مصاحبتها له) وطلبها مرضاته، واتـبـاعـهـا موافقته يعدل ذلك كله، فانصرفت المرأة وهي تهلل).

كتب الله لنا ولك الخير والسداد، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً