الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أيهما أفضل الهجرة أم عمل مشروع فلاحي في بلدي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أما بعد: أطلب استشارتكم في موضوع معين، فأنا محتار بين أمرين، منذ فترة أصبحت عاطلًا عن العمل لأسباب اقتصادية، وبدأت أفكر في الهجرة إلى كندا، وقمت ببيع عقار -منزل- لتوفير الأموال اللازمة للهجرة، وصار تفكيري كله منصبًا في موضوع الهجرة إلى كندا، لكن لدي أمر آخر وهو الاستثمار في الفلاحة، فقد كانت تراودني فكرة شراء أرض فلاحية، وعمل مشروع فلاحي، مع العلم أنه ليس لدي خبرة في الفلاحة.

أصبحت حائراً بين الهجرة إلى كندا والعمل هناك بوظيفة اختصاصي ميكانيكي آلات خياطة، أو بدء مشروع فلاحي، وأصبح تفكيري مشتتًا بين هذا وذاك، وقمت بالاستخارة عدة مرات، لكن لم أصل إلى نتيجة، واستشرت صديقي ونصحني بالمشروع الفلاحي، واستشرت صديقا آخر نصحني بالهجرة إلى كندا، لأن بلادنا أصبحت تعاني من غلاء المعيشة، وغلاء المواد الفلاحية، والأسمدة، والبذور، وعدم وجود مردود في أغلب المشاريع في البلاد، وحين أفكر في أمر الهجرة تعجبني، وكذلك المشروع الفلاحي يعجبني.

أرجوكم، أنا استشيركم في هذا الموضوع، أرشدوني -بارك الله فيكم-، وأعطوني حلًا لهذه الحيرة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ كريم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأهلًا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به، وبخصوص ما تفضلت عنه فإننا ننصحك بما يلي:

أولًا: إن حديثنا إليك حديث من عاين وشاهد عن قرب، ولو أردنا أن نسرد لك ما رأيناه لشاب شعرك مما نقول، وعليه -أخي- فنرجو أن يكون حديثنا معك حديث الأخ المشفق على أخيه الذي يرجو له الخير لا غير، وعليه فاعلم -أخي الكريم- أن المال الذى معك سوف يذهب في شراء الفيزا، وتذاكر الطيران، والسكن المبالغ في سعره، ومن يحدثك بأن الفيزا لها عمل هناك مضمون فاعلم أنه يتاجر بك، ولكم رأينا شباباً غرر بهم حتى وصل الحال بأكثرهم -ولا أقول بعضهم- إلى التسول، نعم -أخي- رأينا ذلك، والله يشهد.

ثانياً: الإقامة في بلد الغرب ليس جيدًا لك، لا من حيث العمل، ولا من حيث السن، ولا من حيث المستقبل، والمشاكل التي تشاهدها في بلدك يشاهدها كثير من الناس هناك، طبعاً ليست بذات الحدة، لكن وضع الغريب أشد، والغربة هناك متنوعة وأعظمها غربة الدين، ثم غربة المال الحلال، ثم غربة العمل الحلال، ثم غربة الأهل والأصدقاء، والقائمة تطول.

ثالثاً: لا نحصي كم من الشباب قابلنا وقالوا لنا: لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما تركنا بلادنا، خاصة من ابتلي منهم بالأولاد، والدراسة هناك بعيدة كل البعد عن أي نسمة شرعية.

رابعاً: نريد أن نذكرك بحكم الإقامة في بلاد غير المسلمين، فقد ذكر أهل العلم أن تلك الإقامة من الأسباب الموجبة لفساد الدين، وضياع الخلق، وقد لا يتمكن من التمسك بدينه، كما في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا) {النساء:97} قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: هذه الآية عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين، وهو قادر على الهجرة، وليس متمكناً من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه، مرتكب حراماً بالإجماع، وبنص الآية. اهـ.

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن حكم السفر إلى بلاد غير المسلمين فقال: لا يجوز إلا بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات.
الشرط الثاني: أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات.
الشرط الثالث: أن يكون محتاجاً إلى ذلك. اهـ.
ومعنى حديثه أن يكون مضطراً إلى ذلك، ونحن لا نرى في مسألتك اضطراراً حتى تجازف بحياتك الدينية والتعبدية.

وعليه فإننا ننصحك أن تفتح ببعض مالك مشروعاً مما تفقهه وتفهمه، وما لم تفهم فيه فاستعن بأهل الفهم والخبرة، وتذكر أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات