الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجتي عنيدة ومضيعة للصلاة وتفتعل المشاكل بسبب أمي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مشكلتي تخص زوجتي، أنا متزوج منذ سنتين، ورزقت بمولودة منذ بضعه أشهر، وأنا وزوجتي في مشاكل تكبر يومًا بعد يوم، وأبحث عن أي حل للحفاظ على أسرتي، مشكلتي مع زوجتي تتلخص في الآتي:

1- زوجتي مضيعة للصلاة، منذ بداية حملها وهي مضيعة للصلاة، في البداية كنت أعذرها؛ لأن حملها كان صعبًا جدًا ومليئًا بالآلام والمتاعب الصحية، ولكن -للأسف- أصبحت عادة، ولا تصلي على الرغم من كونها من بيت طيب، وكلما حدثتها في هذا الأمر، يكون ردها: أنها من ستحاسب على هذا وليس أنا.

2- زوجتي تفتعل المشاكل معي بسبب أمي، فأنا وحيد وليس لي في الدنيا -بعد الله- سوى أمي، مع العلم أن أمي تعيش في دولة أخرى، لكنها دائمًا ما تجعل أمي سببًا في المشاكل بيننا، تتهكم من علاقتي بها، وتسخر من مشاعر أمي تجاهي، وعلى الرغم من أن هذا الأمر يؤلمني إلا أنها دائمًا ما تكرره.

3- زوجتي عنيدة، وأحيانًا تقسم على أمور أنا غير راض عنها، وهذا الأمر يجرحني كرجل قبل أن أكون زوجًا، وكلما حدثتها عن طاعة الزوج، ترد بأني أفسر الدين على مزاجي.

أنا لا أنكر بعد كل هذا أني بشر ومليء بالأخطاء والعيوب، فأنا فقير في المشاعر، وغير قادر على إعطائها الحياة الرومانسية بحكم طبيعتي وعملي؛ ولأني منشغل بعملي الذي ينمو -بفضل الله- يومًا بعد يوم، وأرى أمامي مستقبلًا مزدهرًا -بفضل الله-، أنا أعلم أني أخطأت الاختيار، ولكني لا أحتمل رؤية ابنتي تدفع ثمن خطئي.

أرجوكم أعينوني على أمري، وانصحوني ماذا أفعل؟

جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ahmed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبًا بك -أخي الكريم-، وردًا على استشارتك أقول:

بما أن ترك الصلاة عند امرأتك طارئ، فلا بد من التقرب منها بشكل أكبر، ويكون التعامل معها بهدوء ورفق، مع إشعارها بالحنان والحب، فالرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه.

لا بد من التعرف على مواطن ضعفها ومعالجتها من خلال تلك المواطن، فبعض الناس إن حرمته مما يحب لان لك واستمع لنصحك.

عليك أن تجتهد في إحياء مشاعرك، فالحياة بدون مشاعر حياة جافة، ولك في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة، فبالرغم من كثرة مشاغله إلا أنه لم يغفل جانب المشاعر مع زوجاته؛ لأن المرأة قد لا تلتفت إلى جاه الرجل أو منصبه أو ماله مثلما تلتفت لرقة مشاعره وإشباعه لعاطفتها، وقد تنقلب حياتها إلى جحيم لا يطاق إن افتقدت تلك المشاعر.

المرأة كتلة مشاعر تحتاج من زوجها أن يلامس كل ذرة في تلك المشاعر: بالكلمة الطيبة، واللمسة الحانية، والهدية المعبرة، والثناء المنعش.

أقترح عليك أن تعيد ترتيب وقتك، وألا تجعل أمور العمل تستولي عليك فتكون سببًا في هدم بيتك وأسرتك، فماذا ستفعل بالمال إن عشت بدون أسرة؟ وهل سيجلب لك المال السعادة دون أن تكون سعيدًا مع زوجتك وأبنائك؟

اقترح على زوجتك أن تأخذ إجازة لمدة أسبوع لتقضيه معها خارج البيت، وترمم في هذا الأسبوع ما تصدع من العلاقة مع زوجتك، وتبدأ معها صفحة جديدة، فإن لمست منك زوجتك تغيرًا أتوقع أنها ستتغير كذلك.

قدم لها هدية ترى أنها ستؤثر في نفسها، فللهدية تأثير كبير على القلوب؛ لأنها بريد المحبة والتقدير، ولذلك أوصى بها نبينا -عليه الصلاة والسلام- فقال: (تهادوا تحابوا)، والزوجة والأهل أولى الناس بالهدية بل هي هدية وصلة.

استعمل المال في إصلاح زوجتك، ولا خير في مال يكون سببًا في هدم أسرتك، فبعض الرجال إن قصر مع زوجته غطى ذلك التقصير بإعطائها شيئًا من المال.

اربط زوجتك بنساء صالحات من زوجات أصدقائك بحيث يتبادلن الزيارات، واطلب من أزواجهن أن يأخذن بيدها، سواء في جانب الصلاة أو غير ذلك، ولكن دون أن يشعرنها أنك من طلب ذلك.

لا تذكر والدتك بين يديها ولا تتواصل مع والدتك بحضورها، واجعل تواصلك مع أمك من خارج البيت؛ حتى لا تفتح على نفسك بابًا أو توجد لزوجتك مبررًا للانتقاص منك، أو جرح مشاعرك ببعض الكلمات التي قد تكون صادرة من غيرتها كونها تراك كيف تتعامل مع أمك وكيف تتعامل معها.

أنا على يقين أنك إن تعاملت معها برقة مشاعر وأشبعت عاطفتها لن تتفوه بأي كلمة على والدتك، لأنها ستكون واثقة من حبك لها، فلا تغفل رسالة عبر الهاتف تعبر فيها عن مشاعرك تجاهها فتمدحها وتثني عليها وتتغزل بجسدها أو بعينيها، أو تثني على ما تقوم به من أعمال تسعدك بها.

أخي الكريم: تذكر وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنساء حين قال: (استوصوا بالنساء خيرًا).

للذنوب والمعاصي القديمة والحديثة أثر كبير على سلوكيات الزوجة، فتش في صفحات حياتك لعل ذنبًا تغافلت عن التوبة منه وإن كنت قد أقلعت عنه يكون هو السبب في ذلك، وأنا هنا لا أتهمك بشيء وإنما من باب التذكير، وكلنا ذو خطأ قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)، وفي الحديث: (وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)، ويقول الحسن البصري: (والله إني لأعلم ذنبي في خلق زوجتي وفي خلق دابتي).

من أسباب هزيمة المسلمين يوم أحد الذنوب، حيث خالفوا أمر نبيهم -عليه الصلاة والسلام-، فتحولت المعركة بعد النصر إلى هزيمة حتى تساءل الصحابة كيف حصل هذا، فأنزل الله القرآن: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، وتحين أوقات الإجابة، وسل الله تعالى أن يصلح لك زوجك، وأن يلهمها الرشد، ويقذف حبك في قلبها.

كما أن الله جعل المال قيامًا للناس في أمورهم الدنيوية فقال: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا)، فإن الله قد جعل بيته الحرام قياما للناس في أمورهم الدنيوية والأخروية، فقال: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ)، فأنصحك أن تشد الرحل إلى بيت الله الحرام لتؤدي العمرة، وتتضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى، وتسأله أن يهدي زوجتك ويصلحها ويلين قلبها ويلهمها الرشد، ويرزقها الاستقامة على دينه، ويسعدكما في هذه الحياة.

كلفها ببعض الأعمال الخيرية، وخاصة إطعام المساكين، وزيارة الأيتام في دورهم لتقدم لهم الطعام وتمسح على رؤوسهم، فإن ذلك من أسباب تليين القلوب، ففي الحديث: (إن أردت تليين قلبك، فأطعم المسكين وامسح رأس اليتيم).

أنصحك في حال أن تحسن سلوكها أن تلحقها بدار تحفيظ القرآن الكريم، ففيها ستلقى الرفقة الصالحة ويتقوى إيمانها.

إصلاح زوجتك ليس أمرًا صعبًا بل يمكن إصلاحها، فابذل كل الأسباب، واحتسب الأجر عند الله تعالى.

الزم الاستغفار، وأكثر من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذلك من أسباب تفريج الهموم، ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر ذنبك).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يصلح زوجتك، وأن يلهمها الرشد ويلين قلبها ويقر عينيك بصلاحها، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة