الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أثبت على الطاعة ولا أعود لسماع الأغاني؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله عنا كل خير.

بفضل موقعكم وبفضل دروس العلم المنتشرة بسهولة على شبكات الإنترنت، وبعد أن بحثت بحثًا ليس بالطويل اتخذت قرارًا في مثل هذه الأيام من السنة الماضية أن أتوقف عن متابعة الأفلام والمسلسلات واستماع الأغاني، واستبدالها بما هو خير، وذلك ما حصل والحمد لله.

منذ سنة لم أشاهد الأفلام مع أني كنت متعلقة بها كثيرًا، ولا يخلو يومي من مشاهدة فيلم أو أكثر، وفعلًا توقفت فورًا، لكني تابعت بعض أفلام الكرتون المخصصة للصغار، وحتى هذه لا تتعدى الأصابع خلال هذا العام، والمسلسلات لم أكن أتابعها كثيرًا، ولكن أمي تُتابع، وكنت أحاول ألَّا أركز في المسلسلات وأنا أجلس معهم؛ لأني أعرف أن أمي لن تتقبل في الوقت الحالي القول بأن هذا حرام؛ لأنه مضيعة للوقت، ومع الوقت ابتعدت حتى عن جو هذه المسلسلات قدر استطاعتي وتركتها.

أما الأغاني فطوال السنة لم أفتح برنامجًا لأسمع أغنية واحدة، وهنا كان إصراري الأكبر، وجاهدت نفسي جهادًا شديدًا، ربما الأمر ليس في بالكم ولكن بالنسبة لي قد كانت مهمة صعبة، والحمد لله أعجبت بإصراري وأكملت فيه، ولكن مشكلتي هي أنها لا تنفك عني، وتهاجمني كل فترة وفترة لأعود وأسمعها، وأنا أقاوم بكل ما لدي من قوة لكي لا أعود لها، وتعبت قليلًا ولا أريد العودة، وأريد أن تخرج هذه الرغبة من قلبي إلى الأبد، مع أن وقتي ممتلئ، ومنشغلة كل يومي بالدراسة وأعمال المنزل والطبخ وغيرها، وأجاهد نفسي دائمًا، وطوال هذه السنة لم أتخلص من هذا الشيء.

أتساءل دائمًا: هل هو ضعف في إيماني، أم خطأ في توبتي؟ هل يمكن أن يكون الله لم يتقبل توبتي لخلل ما؟ هل هذه وسواس أو شيطان مخصص يوسوس لي في هذا الأمر؟

وإني لأحرص دائمًا على الذكر والمحافظة على صلواتي والحمد لله، وبسبب الضغط والانشغال قصرت في جانب النوافل والسنن ودروس العلم، ولكن لا أزال أحاول استردادها قدر المستطاع.

هذه التساؤلات والأمور تحزنني وتتعبني، فأرجو منكم -بما أعطاكم الله من علمٍ- أن تفسروا لي ما الذي يحدث معي؟ وكيف أتخلص منه إن أمكن؟

ساعدوني، جزاكم الله خيراً!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سالي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك – أختي الفاضلة – ونشكرك لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع، وحرصك على البعد عن أسباب الفتن والشهوات المحرمات، وإضاعة الأوقات فيما لا ينفع بل يضر في الدين والأخلاق، وذلك بمتابعة ما ذكرتِ من الأفلام والمسلسلات والأغاني الهابطة، سلمك الله وعافاك وحفظك من كل سوء ومكروه.

لا شك أن مثلك لا يحتاج إلى كثير تذكير من مفاسد هذه الأفلام والأغاني التي لا تخلو من تجاوزات ومحرمات، ومن المهم بهذا الصدد: تقوية الإرادة، وهي أعظم الوسائل المؤدية إلى تحقيق الأهداف والأحلام والطموحات، والتطلعات والغايات، والنجاح والإيجابية في مسيرة الحياة، وهي تنبع من داخل النفس، لتحررها من عبودية ورق الشبهات والشهوات المحرمات، وتصرفها عن دواعي العجز والكسل بكل عزيمة وتصميم وثقة، ومن أعظم وسائل تقوية الإرادة اتباع التالي:

- الثقة بالله تعالى وحسن الظن به والاستعانة به، وتقواه وطاعته والتوكل عليه في كل شؤون الحياة {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 2-3]، واستشعار الثقة بالنفس، والقدرة على النجاح، وتجاوز كل العوائق والتحديات.

- تقوية الدوافع الإيمانية والأخلاقية لديك في النجاح والتخلص من الأخطاء والتجاوزات والعيوب والذنوب، فعلى قدر قناعتك بالغاية التي تطلبينها في تحصيل طاعة الله ومحبته وجنته ورضوانه، والخوف منه ومن عقابه والحياء منه ورجائه؛ فإن الإرادة تزداد وتعظم وتسهل دونها كل الرغبات والمطامع والشهوات، فمن خطب الحسناء لم يغله المهر، وقد صح في الحديث: (ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنّة).

على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ ... وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها ... وتصغر في عين العظيم العظائمُ

تريدين إدراك المعالي رخيصةً ... ولابد دون الشهد من إبر النحلِ

- لا شك أن المسلمة المتحلية بالعقل والحكمة والصلاح، تحرص على أن لا يراها الله تعالى حيث نهاها، ويفتقدها حيث أمرها، أو تموت وتلقى الله على معصية وإثم، فالمبادرة والمسارعة إلى التوبة الصادقة والنصوح – حفظك الله ووفقك – {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].

- أهمية الصحبة الصالحة والطيبة في حياة الإنسان، والتأثير على مستوى ومنسوب إيمانه وقناعاته وتحقيق مصالحه الدينية والدنيوية، فالصديقة الصالحة مهمة، حيث تذكّركِ إذا نسيتِ، وتنبهك إذا غفلت، وتعلمك إذا جهلتِ، وهي خير عدّة لأوقات الرخاء والشدة، وقد صح في الحديث: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل).

- المبادرة إلى التخلص من كل الوسائل، ومنها الأجهزة التي تسهم في فتنتنا عن الدين وتغوينا عن صراط الله المستقيم، ويكون بها ضياع أغلى ما يملكه الإنسان، وهو الوقت والفراغ، وقد صح عند البخاري: (نعمتان مغبون فيهما – أي خاسر ومخدوع – كثير من الناس: الصحة والفراغ).
والوقت أنفس ما عُنيت بحفظهِ ... وأراه أهون ما عليك يضيعُ

- ضرورة الترتيب والتنظيم والتخطيط الصحيح والدقيق للوقت، وشغله وتوجيهه بما يعود عليك بالمنفعة والفائدة، في المذاكرة وتنمية المواهب والثقافة، ومتابعة المحاضرات والدروس والبرامج المفيدة، والقراءة في السيرة النبوية وسير العظماء والصالحين، والتأمل والاعتبار في سِيَر الناجحين، والتأسي والاقتداء بهم.

فتشبّهوا إن لم تكونوا مثلهم ... إن التشبّه بالكرام فلاحُ
إن الشباب والفراغ والجدة ... مفسدةٌ للمرء أي مفسدة

- عدم اليأس والإحباط والقنوط من النجاح والتوفيق، وضرورة الإلحاح على الله تعالى بالدعاء في استمداد العون والتوفيق منه {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62]. وفي لزوم الطاعات والنوافل وأذكار الصباح والمساء وقراءة القرآن، والاستغفار والصلاة على الرسول (ﷺ) حيث يسهم ذلك بلا شك في تقوية وتنمية الإيمان، وتحصيل عون وتوفيق الرحمن، وطرد وساوس النفس والهوى والشيطان، والحرص على تحصيل الجنان والرضوان، والبعد عن أسباب غضب الله وعذاب النيران.

نسأل الله تعالى أن يعينك ويقوّي عزيمتك وإرادتك، ويعيذك من العجز والكسل والضعف، ويحفظك من وساوس النفس والهوى والشيطان، ويثبتنا وإياك على الدين، ويهدينا صراطه المستقيم، والله الموفق والمستعان، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً