السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سأحاول اختصار المشكلة: القصة بدأت عندما انفصل والدي عن والدتي وتركنا وأنا عمري ثلاث سنوات، وأخي كان في بطن أمي، أي أنه لم ير أبدا والدنا، المهم استمرت الحياة ولم تكترث والدتي كثيرا؛ لأننا لم نكن نحتاج شيئا؛ فجدتي وجدي كانوا ميسوري الحال، كل طلباتي كانت مجابة خصوصا من طرف جدتي -رحمها الله-، المهم عشت طفولة سعيدة إلى حدود عشر سنوات، رغم أنني كنت أحس بنقص ما، فلقد كنت أشاهد زملائي في المدرسة يأتون إلى المدرسة برفقة آبائهم إلا أنا.
المهم كانت جدتي معروفة في العائلة بكرمها وسخائها الشديد الذي يصل أحيانا إلى حد الغباء، وكان منزلنا لا يكاد يفرغ من كثرة الضيوف، سواء جيران أو عائلة، ولا يتسع الوقت لذكر كل المواقف التي كانت جدتي تفعلها معهم، فقد كانوا يأتون يمكثون عندنا بالشهر والشهرين، ويرجعون محملين بالحقائب والهدايا والملابس، أتذكر تلك الأيام وأبتسم فقد ذهب كل ذلك للأسف أدراج الرياح.
وبعد ذلك ستبدأ مرحلة جديدة من حياتنا بانفصال جديد لكن هذه المرة جدتي وجدي، وتفرق شمل العائلة، لا أدري هل السبب حسد الناس؟ لكن قدر الله وما شاء فعل، وتزوج جدي من جديد وباع المطعم الذي كان مصدر رزقنا، وأيضا المنزل، وأخذت جدتي حصتها وأخذ هو حصته ورحل إلى مدينة أخرى برفقة زوجته الجديدة، ولم يسعفنا في ذلك الوقت سوى حصة جدتي التي وهبتها لوالدتي قبل وفاتها، لكن لم تدم طويلا فاضطرت والدتي إلى الخروج إلى العمل لتأمين مصاريفنا، فكافحت من أجلنا رغم أنها كبرت في دلال، ورغم أن ما كانت تكسبه كان قليلا؛ إلا أنه كان يكفينا -سبحان الله-؛ لأنه بالحلال.
وفي هذه المرحلة انكشفت لي حقيقة أولئك الذين كنا نعتبرهم عائلة، فأين ذلك المنزل الذي كان عامرا بالأصدقاء والأحباب والفرح والضحكات؛ فالأغلبية الساحقة تنكرت لنا إلا من رحم ربي ولو بالسؤال عنا عن طريق الهاتف، ولا أخفي عليكم فقد تعقدت من الناس عامة وفقدت الثقة فيهم، فقد رأيت بأم عيني نفاقهم وتلونهم من أجل مصالحهم.
المهم مرت الأيام وكبرت ودخلت الجامعة، وهنا سيقع شيء غير متوقع وهو ظهور والدي الذي كان قد هاجر إلى مدينة أخرى وتزوج وأنجب فيها، فقد كان هاربا من حكم قضائي بالنفقة التي لم نر قرشا منها، فتعجبت من هذا الأمر؛ فلم نكن نعلم عنه شيئا لسنين طويلة، وقد جاء إلينا وطلب المسامحة وقال: إن الظروف هي التي منعته، وبعد ذلك علمت منه أنه لدي إخوان أصغر مني بنتان وولد، فقلت في نفسي: هم ليس لهم ذنب في كل ما حصل لماذا لا أسامح وأنسى وترجع المياه إلى مجاريها فهم في الأخير من دمي.
المهم تعرفنا على بعضنا وتبادلنا الزيارات رغم أنهم مقيمون في مدينة أخرى، وتم وعدنا من طرف والدي وزوجته بأنه سيجمع شملنا وسيرحلون للإقامة في المدينة التي نحن فيها، وبعد فترة من الزمن طلب والدي من والدتي التنازل له في قضية النفقة؛ لأنه كانت لديه مشاكل إدارية في استخلاص بعض الأموال والمعونات التي تمنحها له المؤسسة العسكرية وبعض الامتيازات فقد كان عسكريا سابقا فكان له ما أراد.
واستمرت العلاقة بيننا عادية لأشهر قليلة، وبدأت اتصالاتهم تقل وعندما سألناهم عن الوعد الذي قطعوه لنا بجمع الشمل وما إلى ذلك قالوا: إنهم لا يستطيعون الرحيل من مدينتهم مبررين ذلك بأسباب ومبررات واهية، لماذا لم تكن هذه الأسباب عندما قطعوا العهد لنا؟ وعندما جاؤوا في أول وهلة طالبين السماح والرضى؟ فتوترت العلاقة بيننا وقلت الاتصالات من جانبنا وجانبهم، وكأنهم كانوا يتحينون الفرصة للتخلص منا، المهم أنا استعذت من الشيطان وبادرت بمكالمتهم لتكون المفاجأة والطامة الكبرى بالنسبة لي، فلا أحد منهم يجيب، لا أختي ولا الوالد قاموا جميعهم بتغيير أرقام هواتفهم ولم يعد أي خط يصلني بهم، حتى البريد الالكتروني قامت أختي الكبيرة بحذفي لكي لا أتمكن من الوصول لهم, وبانت لي الحقيقة المرة جلية فقد نالوا مرادهم بتنازل والدتي لهم, وفتح الجرح القديم في صدري -لا حول ولا قوة إلا بالله- فكيف لي بعد الآن أن أثق في أي أحد مهما كان، فوالله إني خائف الآن أن أفشل في مستقبلي حتى مع الإنسانة التي ستكون شريكتي والتي لم ألتقيها بعد إن كتب لي البقاء.
هذه هي قصتي كاملة، وأنا الآن أعيش فترة صدمة، وأفكاري مشوشة، والمستقبل ضبابي أمامي، فما العمل؟