الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتخلص من الخوف من ركوب الطائرة؟

السؤال

الدكتور الفاضل محمد عبد العليم:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عندي استفسار, وهو أن عندي رهبة بدرجة معينة من المرتفعات, وأريد أن أركب الطائرة, وكل مرة أريد أن أركب الطائرة أحجز ثم ألغي, وأشعر بتردد شديد من ركوب الطائرة.

عندي إحساس, وأربط بعض الأشياء ببعضها, حيث إنني عندما أذهب إلى مدينة الألعاب مع أطفالي أخشى ركوب الألعاب العالية, أو لا أركبها خوفًا من المرتفعات, وبعدها أصبحت أتوقع بأنني ما دمت أخشى من ركوب هذه الألعاب, فستكون خشيتي من ركوب الطائرة تمامًا كخشيتي من ركوب هذه الألعاب, فهل هناك ترابط بينهما؟

أنا ذهبت إلى الدكتور ووصف لي زاناكس, ولكني مازلت أخشى بأن لا يعطي هذا الدواء فاعليته؛ لأنني أفكر في نفسي وأقول: كيف لهذا الدواء أن يغير مزاجي وأنا في مكان عالٍ؟ أريد أن أعرف ماذا يعمل هذا الدواء في الجسم حتى يتغير المزاج؟ وهل فعلًا بعد استخدامه يصبح لدي عدم مبالاة من المكان الشاهق وأنا في الطائرة؟

تحياتي الحارة لك -دكتوري الفاضل-.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

إن المخاوف متعددة, وأنواعها كثيرة، وهذا النوع من المخاوف – أي المخاوف من المرتفعات – يعرف بأنه من المخاوف البسيطة، والخوف من المرتفعات ناتج من تجربة سابقة، حيث إنه من المرجح أن يكون قد حدث لك تعرض لموقف كنت فيه في مكان مرتفع, ولم تحس بالارتياح، أو أنك قرأت أو سمعت عن حوادث الطائرات, أو السقوط من أعلى، هذه قد تكون هي المثيرات الأساسية، وتعتبر مسببًا لهذا النوع من الخوف.

ليس من الضروري أن يتذكر الإنسان أو يسترجع هذه التجارب السابقة؛ لأنها كثيرًا ما تكون بسيطة جدًّا للدرجة التي لا تثير الانتباه في وقتها، ولكنها تظل كخبرة سلبية مخزنة في داخل اللاشعور, وتظهر على السطح, وتُثار بعد ذلك في المستقبل، حين يتعرض الإنسان إلى مرتفع أو شاهق أو يريد أن يركب الطائرة مثلاً.

الربط ما بين خوفك من ركوب الألعاب العالية, أو عدم ركوبها الخوف من المرتفعات, وبعد ذلك تتوقع أنك سوف تخشى الركوب من الطائرات، وهو ربط نفسي أيضًا، العلاقة موجودة، فكلاهما مرتفع، ركوب الطائرة وركوب الألعاب، وكلاهما يعتمد على حقيقة سريعة نسبيًا، وهذا الربط ربط وسواسي، وهذه العلاقات معروفة ومثبتة.

من حيث العلاج قبل أن أشرع في الحديث عن الزاناكس، أريدك أولاً أن تحقر فكرة الخوف, وأن تطبق بعض التمارين السلوكية التي تقوم على مبدأ التعرض لمصدر الخوف بالتدريج، ومنع الاستجابة السلبية، بمعنى أن لا يهرب الإنسان من الموقف.

مثلاً بالنسبة للمرتفعات اذهب إلى البنايات ذات الطوابق المتعددة والشاهقة، وابدأ يوميًا بالنظر إلى الأرض من الطابق الثاني مثلاً في بداية الأمر، ثم بعد ذلك من الطابق الثالث، فالرابع، وهكذا, هذا نوع من التدرج في التعريض، وإن طبقته بشيء من التحمل والصبر سوف تستفيد منه كثيرًا.

لا بد حين تصعد لطوابق المبنى أن تأخذ نفسًا عميقًا، وأن تحقر فكرة الخوف، وأن تنظر إلى الأرض فترة لا تقل عن خمس دقائق في كل تعرض.

من المهم جدًّا أن تغير نفسك فكريًا، وذلك بأن تتأمل في الذين قاموا ببناء هذه المباني الشاهقة، وكيف أنهم ينظرون إلى الأرض، وهؤلاء العمال الذين نراهم ينظفون هذه المباني الشاهقة من الخارج، هذه يجب أن تتأمل وتفكر فيها.

بالنسبة لموضوع الخوف من ركوب الطائرة: فهذا يعالج أيضًا من خلال التعرض، أولاً تأمل في هذه الطائرات بأنها إبداع إنساني حقيقي، وأنها إنجاز علمي كبير، والطائرات لا شك أنها أسلم كثيرًا من السيارات، وحوادثها لا تعدل واحد بالمائة بالنسبة للسيارات، وعليك أن تسافر بالطائرة عدة سفريات متلاحقة – هذا مهم جدًّا – سفرة واحدة لا تكفي، في الأولى سوف تكون قلقًا ومتوترًا، لكن بعد ذلك سوف تحس أن الأمور أفضل.

كن حريصًا على دعاء الركوب, تدرب على تمارين الاسترخاء, ومن الضروري جدًّا أن يكون هنالك نوع من التدرج في التعرض, اقرأ عن الطائرات, شاهد الأفلام حول الطائرات, اذهب إلى المطار من وقت إلى آخر, اذهب إلى وكالات السفر والسياحة, تحصل على الفيزا, قم بكل هذا بنفسك, هذا نوع من التعريض.

دعاء الركوب يعتبر أمرًا مهمًّا وضروريًا، وكثير من الناس استفادوا منه.

بالنسبة للزاناكس: هو علاج مهدئ ويزيل القلق والتوتر، وذلك من خلال التأثير على مادة الجابا والسيروتونين، والتي يُعتقد أن لها علاقة بالخوف, لا بأس من تناوله، لكن عقار زولفت أفضل؛ حيث إنه يقتلع ويزيل الأعراض من أساسها، ويسهل بدرجة ممتازة جدًّا المثابرة على التمارين السلوكية، ودراسات كثيرة جدًّا أشارت إلى أفضلية هذا الدواء والأدوية المشابهة له في علاج المخاوف البسيطة.

أما الزاناكس فكما أسلفنا فهو دواء إسعافي, وليس دواء علاجيًا.

جرعة الزولفت تكون في البداية أن تقسم الحبة إلى نصفين, ويتم تناول نصف واحدة ليلاً بعد الأكل لمدة عشرة أيام، بعد ذلك ترفع إلى حبة كاملة (خمسين مليجرامًا), وتستمر عليها لمدة شهر، ثم يفضل أن ترفع الجرعة إلى حبتين في اليوم، يمكن تناولها كجرعة واحدة في المساء، أو تقسم إلى حبة في الصباح, وأخرى في المساء، وهذه هي الجرعة العلاجية، ومدة العلاج على هذه الجرعة هي أربعة أشهر، تأتي بعد ذلك إلى بداية الجرعة الوقائية، وهي أن تتناول حبة واحدة (خمسين مليجرامًا) ليلاً لمدة ستة أشهر، بعد ذلك اجعل الجرعة نصف حبة ليلاً لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

أعتقد أن تناول الزولفت سيكون مهمًّا جدًّا, وسوف يسهل عليك الكثير من الصعوبات التي وجدت من الصعوبة التعايش معها, وكما أسلفتُ لك فإن من محاسن تناول الدواء هو الشروع والإقدام على تطبيق التمارين السلوكية السالفة الذكر بشيء من الرغبة والإقدام مما يتأتى عنه نتائج إيجابية جدًّا إن شاء الله تعالى.

جزاك الله خيرًا، وبارك الله فيك، ولا تنس دعاء الركوب، اقرأه، وتأمله، ودقق في معانيه، وسوف يكون لك سندًا إن شاء الله تعالى لمنع هذه المخاوف.

نسأل الله لك العافية والشفاء, والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية بنت جده

    موضوع جيد ويستفاد منه

  • السعودية لبنى قحطاني

    شكرًا لك كتير والله استفدت من الموضوع

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً