الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
991 - " استفت نفسك؛ وإن أفتاك المفتون " ؛ (تخ)؛ عن وابصة؛ (ح).

التالي السابق


(استفت نفسك) ؛ المطمئنة؛ الموهوبة نورا يفرق بين الحق؛ والباطل؛ والصدق؛ والكذب؛ إذ الخطاب لوابصة؛ وهو يتصف بذلك؛ وفي رواية: " قلبك" ؛ أي: عول على ما فيه؛ لأن للنفس شعورا بما تحمد عاقبته؛ أو تذم؛ (وإن) ؛ غاية لمقدر؛ دل عليه ما قبله؛ أي: فالتزم العمل بما في نفسك؛ ولو (أفتاك المفتون) ؛ بخلافه؛ لأنهم إنما يطلعون على الظواهر؛ وهم - بضم الميم - جمع " مفتي" ؛ وفي بعض الحواشي: بالفتح؛ من " الفتنة" ؛ بمعنى الاختبار والضلال؛ لكن كل من رأيناه شرح الحديث إنما يبني كلامه على معنى الضم؛ وعليه قال حجة الإسلام: ولم يرد كل أحد لفتوى نفسه؛ وإنما ذلك لوابصة؛ في واقعة تخصه؛ انتهى؛ قال البعض: وبفرض العموم؛ فالكلام فيمن شرح الله صدره بنور اليقين؛ فأفتاه غيره بمجرد حدس؛ أو ميل من غير دليل شرعي؛ وإلا لزمه اتباعه؛ وإن لم ينشرح له صدره؛ انتهى؛ وبما بحثه صرح حجة الإسلام؛ لكن بزيادة بيان وإحسان؛ فقال ما محصوله: ليس للمجتهد؛ أو المقلب؛ إلا الحكم بما يقع له؛ أو لمقلده؛ ثم يقال للورع: استفت [ ص: 496 ] قلبك؛ وإن أفتوك؛ إذ للإثم حزازات في القلوب؛ فإذا وجد قابض مال مثلا في نفسه شيئا منه؛ فليتق الله؛ ولا يترخص تعللا بالفتوى من علماء الظاهر؛ فإن لفتاويهم قيودا من الضرورات؛ وفيها تخمينات؛ واقتحام شبهات؛ والتوقي عنها من شيم ذوي الدين وعادات السالكين لطريق الآخرة.

(تتمة) : قال العارف سهل التستري : خرج العلماء والزهاد والعباد من الدنيا وقلوبهم مقفلة؛ ولم تفتح إلا قلوب الصديقين والشهداء؛ ولولا أن إدراك قلب من له قلب بالنور الباطني؛ حاكم على علم الظاهر؛ لما قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: " استفت قلبك" ؛ فكم من معان دقيقة من أسرار القرآن تخطر على قلب المتجرد للذكر؛ والفكر؛ وتخلو عنها زبر التفاسير؛ ولا يطلع عليها أفاضل المفسرين؛ ولا محققو الفقهاء المعتبرين.

(تخ؛ عن وابصة) ؛ بكسر الموحدة؛ وفتح المهملة؛ بن معبد؛ الأزدي؛ وفد سنة تسع؛ وكان بكاء؛ وقبره بالرقة؛ ورمز المصنف لحسنه؛ ورواه الإمام أحمد والدارمي ؛ في مسنديهما؛ قال النووي في رياضه: إسناده حسن؛ وتبعه المؤلف؛ فكان ينبغي له الابتداء بعزوه كعادته؛ ورواه أيضا الطبراني ؛ قال الحافظ العراقي : وفيه عنده العلاء بن ثعلبة؛ مجهول.



الخدمات العلمية