الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
961 - " أزهد الناس في العالم؛ أهله وجيرانه " ؛ (حل)؛ عن أبي الدرداء ؛ (عد)؛ عن جابر ؛ (ض).

التالي السابق


(أزهد الناس) ؛ بفتح الهمزة؛ وسكون الزاي؛ وفتح الهاء؛ أي: أكثر الناس زهدا؛ (في العالم) ؛ بعلم طريق الآخرة؛ أو بالعلوم الشرعية؛ أو العقلية؛ (أهله؛ وجيرانه) ؛ زاد في رواية: " حتى يفارقهم" ؛ وذلك سنة الله في الماضين؛ وعادته في النبيين؛ والعلماء ورثتهم؛ ومن ثم قال بعض العارفين: كل مقدور عليه؛ مزهود فيه؛ وكل ممنوع منه؛ مرغوب فيه؛ قال الماوردي : فإذا قرب منك العالم؛ فلا تطلب ما بعد؛ وربما انبعثت نفس الإنسان إلى من بعد عنه؛ استهانة بمن قرب منه؛ وطلب ما صعب؛ [ ص: 482 ] احتقارا لما سهل عليه؛ وانتقل إلى من لم يخبره؛ مللا من خبره؛ فلا يدرك مطلوبا؛ ولا يظفر بطائل؛ وأنشد بعضهم يقول:


لا ترى عالما يحل بقوم ... فيحلوه غير دار هوان

هذه مكة المنيفة بيت اللـ
... ـه يسعى لحجها الثقلان

وترى أزهد البرية في الحـ
... ج لها أهلها لقرب مكان



وروى البيهقي في المدخل أن كعبا قال لأبي مسلم الخولاني: كيف تجد قومك لك؟ قال: مكرمين؛ مطيعين؛ قال: ما صدقتني التوراة؛ إذ فيها: " ما كان رجل حكيم في قوم قط؛ إلا بغوا عليه وحسدوه" ؛ وقال المصنف: رأيت في كراسة لأبي حيان: أوحى الله في الإنجيل إلى عيسى: " لا يفقد النبي حرمته إلا في بلده" .

(حل)؛ عن محمد بن المظفر؛ عن أحمد بن عمير؛ عن حبشي؛ عن عمرو بن الربيع؛ عن أبيه؛ عن إسماعيل بن اليسع؛ عن محمد بن سوقة؛ عن عبد الواحد الدمشقي؛ (عن أبي الدرداء ) ؛ قال عبد الواحد: رأيت أبا الدرداء قيل له: ما بال الناس يرغبون فيما عندك من العلم؛ وأهل بيتك جلوس؟ فقال: " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:..." ؛ فذكره؛ ومحمد بن المظفر أورده في الميزان؛ وقال: ثقة حجة؛ إلا أن الباجي قال: كان يتشيع؛ قال في اللسان: كان يشير إلى الجزء الذي جمعه ابن المظفر في فضائل العباس ؛ فكان ما به ذا؛ وعبد الواحد ضعفه الأزدي؛ (عد)؛ عن موسى بن عيسى الخوارزمي؛ عن عباد بن محمد بن صهيب ؛ عن يزيد بن النضر المجاشعي؛ عن المنذر بن زياد ؛ عن محمد بن المنذر؛ (عن جابر) ؛ ابن عبد الله ؛ قال ابن الجوزي : موضوع؛ والمنذر كذاب؛ ومن كلامهم: " زامر الحي لا يطرب" ؛ وذكر كعب أن هذا في التوراة؛ وقال سليمان الأحول: لقيت عكرمة ومعه ابنه؛ فقلت: أيحفظ هذا من حديثك شيئا؟ قال: " أزهد الناس في العالم أهله" ؛ وقال العارف المرسي: ابتلى الله هذه الطائفة بالخلق؛ ليرفع مقدارهم؛ ويكمل أنوارهم؛ ويحقق لهم الميراث؛ ليؤذوا كما أوذي من قبلهم؛ فصبروا كما صبر من قبلهم؛ ولو كان إطباق الخلق على تصديق العالم هو الكمال؛ لكان الأحق بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ بل صدقه قوم هداهم الله بفضله؛ وكذبه آخرون؛ فحجبهم الله بعدله؛ فانقسم العباد في هذه الطائفة إلى معتقد؛ ومنتقد؛ ومصدق؛ ومكذب؛ وإنما يصدق بعلومهم من أراد الحق إلحاقه بهم؛ وقليل ما هم؛ لغلبة الجهل واستيلاء الغفلة؛ وكراهة الخلق أن يكون لأحد عليهم شفوف منزلة؛ واختصاص عنه؛ والعامة إذا رأوا إنسانا ينسب إلى علم أو عرفان؛ جاؤوا من القفار؛ وأقبلوا عليه بالتعظيم والتكريم؛ وكلوا من واحد بين أظهرهم؛ لا يلقون إليه بالا؛ وهو الذي يحمل أثقالهم ويدافع الأغيار عنهم؛ فما هو إلا كحمار الوحش؛ يدخل به البلد؛ فيطيف الناس به معجبين لتخطيط جلده؛ وحمرهم بين أظهرهم تحمل أثقالهم؛ لا يلتفتون إليها؛ أولئك قوم لا خلاق لهم.



الخدمات العلمية