الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون

                                                                                                                                                                                                                                        (18) يخبر تعالى أنه لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا ويدخل في هذا كل من كذب على الله، بنسبة الشريك له، أو وصفه بما لا يليق بجلاله، أو [ ص: 744 ] الإخبار عنه، بما لم يقل، أو ادعاء النبوة، أو غير ذلك من الكذب على الله، فهؤلاء أعظم الناس ظلما أولئك يعرضون على ربهم ليجازيهم بظلمهم، فعندما يحكم عليهم بالعقاب الشديد " يقول الأشهاد " أي: الذين شهدوا عليهم بافترائهم وكذبهم: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين أي: لعنة لا تنقطع، لأن ظلمهم صار وصفا لهم ملازما، لا يقبل التخفيف.

                                                                                                                                                                                                                                        (19) ثم وصف ظلمهم فقال: الذين يصدون عن سبيل الله فصدوا بأنفسهم عن سبيل الله، وهي سبيل الرسل، التي دعوا الناس إليها، وصدوا غيرهم عنها، فصاروا أئمة يدعون إلى النار.

                                                                                                                                                                                                                                        ويبغونها أي: سبيل الله عوجا أي: يجتهدون في ميلها، وتشيينها، وتهجينها، لتصير عند الناس غير مستقيمة، فيحسنون الباطل ويقبحون الحق، قبحهم الله وهم بالآخرة هم كافرون .

                                                                                                                                                                                                                                        (20) أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض أي: ليسوا فائتين الله، لأنهم تحت قبضته وفي سلطانه.

                                                                                                                                                                                                                                        وما كان لهم من دون الله من أولياء فيدفعون عنهم المكروه، أو يحصلون لهم ما ينفعهم، بل تقطعت بهم الأسباب.

                                                                                                                                                                                                                                        يضاعف لهم العذاب أي: يغلظ ويزداد، لأنهم ضلوا بأنفسهم وأضلوا غيرهم.

                                                                                                                                                                                                                                        ما كانوا يستطيعون السمع أي: من بغضهم للحق ونفورهم عنه، ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا آيات الله سماعا ينتفعون به فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة وما كانوا يبصرون أي ينظرون نظر عبرة وتفكر فيما ينفعهم وإنما هم كالصم البكم الذين لا يعقلون

                                                                                                                                                                                                                                        (21) أولئك الذين خسروا أنفسهم حيث فوتوها أعظم الثواب واستحقوا أشد العذاب وضل عنهم ما كانوا يفترون أي اضمحل دينهم الذي يدعون إليه ويحسنونه ولم تغن عنهم آلهتهم التي يعبدون من دون الله لما جاء أمر ربك.

                                                                                                                                                                                                                                        (22) لا جرم أي حقا وصدقا أنهم في الآخرة هم الأخسرون حصر الخسار فيهم بل جعل لهم منه أشده لشدة حسرتهم وحرمانهم وما يعانون من المشقة والعذاب نستجير بالله من حالهم

                                                                                                                                                                                                                                        ولما ذكر حال الأشقياء ذكر أوصاف السعداء وما لهم عند الله من الثواب فقال

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية