الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى: فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة الآية (2) .

فالمراد به العدل في القسم بينهن كما قال تعالى في آية أخرى:

ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل .

والمراد به ميل القلب، والعدل الذي يمكنه فعله ويخاف ألا يفعل لإظهار الميل بالفعل، فيجب عليه الاقتصار على الواحدة إذا خاف إظهار الميل والجور ومجانبة العدل.

[ ص: 320 ] ثم قال: أو ما ملكت أيمانكم الآية (3) .

فدل ذلك على أن لا عدد في ملك اليمين، ولا وجوب القسم والعدل فيهن، فإنه تعالى قال:

فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة .

يزول له الخوف من الميل، أو ما ملكت أيمانكم .

فإنه لا يجب فيهن العدل.

وظن قوم أن المراد به العطف على قوله: فانكحوا وتقديره:

فانكحوا ما طاب لكم من النساء أو ما ملكت أيمانكم، وهذا يدل عند هذا القائل على أنه يجوز التزويج بأربع إماء، كما جاز التزويج بأربع حرائر.

وهذا فيه نظر، لأن العطف رجع إلى أقرب مذكور، والمذكور آخرا قوله تعالى:

فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم .

وذلك يقتضي أن يكون الذي يعدل إليه خيفة الحيفة وترك العدل، لا يجب فيه مراعاة العدل، وذلك ملك اليمين.

فإن قيل: الضمير المتقدم هو النكاح، وقوله: أو ما ملكت أيمانكم ، لا يستقل بنفسه، فلا بد من عطف على ضمير متقدم، ولا متقدم إلا النكاح.

وإذا قلتم المراد به: أو ما ملكت أيمانكم لم يستقم إثبات ضمير الفعل المتقدم في هذا المحل، فإنه لا نكاح في ذلك اليمين.

[ ص: 321 ] والجواب عنه: أن العطف على ما ذكره أخيرا من تحريم إظهار الميل، وأنه إذا كان كذلك يخلص بواحدة أو بملك يمين، ويدل على ذلك أنه لو رجع ذلك إلى نكاح الإماء كان تقدير الكلام: فانكحوا ما طاب لكم من النساء، أو انكحوا ما ملكت أيمانكم، وذلك يقتضي الجمع بينهما، والجمع ممتنع محرم جميعا.

وليس يمكن أن يقال: إنه قال:

فانكحوا ما طاب لكم من النساء ، ولم تدخل فيه الإماء، ثم قال: أو ما ملكت أيمانكم على البدل من النساء، فإن ذلك مكروه بالإجماع، وقد بين الله خلافه في موضع آخر فقال:

ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم .

وأبان اشتراط خوف العنت، فيكون مبينا حكم نكاح الأمة ها هنا، وذلك بعيد من القول.

والدليل على ذلك أيضا: أن ظاهر قوله تعالى: أو ما ملكت أيمانكم . إضافة جمع إلى جمع، وذلك يقتضي توزيع الآحاد على الآحاد، فتقدير قوله: أو ما ملكت أيمانكم أي ما ملكت يمين كل واحد منكم، ولا يتصور ذلك في ملك النكاح، فدل على أن الضمير هو الوطء لا العقد.

نعم ورد مثله في موضع آخر وهو قوله:

[ ص: 322 ] ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم .

ولكن خالفنا ظاهر إضافة الجمع إلى الجمع وقلنا: المراد به نكاح ملك يمين الغير، ودل عليه قوله تعالى:

فانكحوهن بإذن أهلهن .

ولما بين نكاحهن قال: وآتوهن أجورهن بالمعروف .

وها هنا قال:

أو ما ملكت أيمانكم ثم قال: وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ، ولم يتعرض لصداق الأمة، ولو جرى ذكر نكاحها لذكر الصداق، كما ذكر حق النساء.

التالي السابق


الخدمات العلمية