الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      الفضل بن العلاء : حدثنا إسماعيل بن أمية : أخبرني محمد بن قيس بن مخرمة : أن رجلا أتى زيد بن ثابت ، فسأله عن شيء ، فقال : عليك بأبي هريرة ; فإني بينما أنا وهو وفلان في المسجد ، خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ونحن ندعو ، ونذكر ربنا . فجلس إلينا ، فسكتنا . فقال : عودوا للذي كنتم فيه . فدعوت أنا وصاحبي قبل أبي هريرة . فجعل رسول الله يؤمن . ثم دعا أبو هريرة ، فقال : اللهم ، إني أسألك ما سألك صاحباي هذان ، وأسألك علما لا ينسى . فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم : آمين .

                                                                                      فقلنا : يا رسول الله ، ونحن نسأل الله علما لا ينسى! قال : سبقكما الغلام الدوسي
                                                                                      .

                                                                                      تفرد به الفضل بن العلاء ، وهو صدوق .

                                                                                      هشيم ، عن يعلى بن عطاء ، عن الوليد بن عبد الرحمن ، عن ابن عمر : أنه مر بأبي هريرة - وهو يحدث- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال : من تبع جنازة ، فله قيراط فقال : انظر ما تحدث عن رسول الله! فقام أبو هريرة ، فأخذ بيده إلى عائشة ، فقال لها : أنشدك بالله ، هل سمعت رسول الله يقول : من تبع جنازة - الحديث- فقالت : اللهم نعم . [ ص: 617 ]

                                                                                      فقال أبو هريرة : لم يكن يشغلني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- غرس الودي ، ولا صفق في الأسواق ; وإنما كنت أطلب من رسول الله كلمة يعلمنيها ; أو أكلة يطعمنيها .

                                                                                      فقال ابن عمر : كنت ألزمنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأعلمنا بحديثه .

                                                                                      رواته ثقات .

                                                                                      ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم : أنه قعد في مجلس فيه أبو هريرة وفيه مشيخة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بضعة عشر رجلا ; فجعل أبو هريرة يحدثهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم- بالحديث ، فلا يعرفه بعضهم ; ثم يتراجعون فيه ، فيعرفه بعضهم ; ثم يحدثهم بالحديث ، فلا يعرفه بعضهم ، ثم يعرفه ، حتى فعل ذلك مرارا .

                                                                                      قال : فعرفت يومئذ أنه أحفظ الناس عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      رواه البخاري في " تاريخه " .

                                                                                      همام بن يحيى : حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة : أن عمر قال لأبي هريرة : كيف وجدت الإمارة ؟ قال : بعثتني وأنا كاره ، ونزعتني ، وقد [ ص: 618 ] أحببتها . وأتاه بأربعمائة ألف من البحرين . فقال : ما جئت به لنفسك ؟ قال : عشرين ألفا . قال : من أين أصبتها ؟ قال : كنت أتجر . قال : انظر رأس مالك ورزقك فخذه ، واجعل الآخر في بيت المال .

                                                                                      وكان أبو هريرة يجهر في صلاته : " ببسم الله الرحمن الرحيم " .

                                                                                      قال الحافظ أبو سعد السمعاني : سمعت أبا المعمر المبارك بن أحمد : سمعت أبا القاسم يوسف بن علي الزنجاني الفقيه : سمعت الفقيه أبا إسحاق الفيروزآبادي : سمعت القاضي أبا الطيب يقول : كنا في مجلس النظر بجامع المنصور ، فجاء شاب خراساني ، فسأل عن مسألة المصراة فطالب بالدليل ، حتى استدل بحديث أبي هريرة الوارد فيها . [ ص: 619 ] فقال ، وكان حنفيا : أبو هريرة غير مقبول الحديث .

                                                                                      فما استتم كلامه ، حتى سقط عليه حية عظيمة من سقف الجامع ، فوثب الناس من أجلها ، وهرب الشاب منها ، وهي تتبعه .

                                                                                      فقيل له : تب ، تب . فقال : تبت . فغابت الحية ، فلم ير لها أثر .

                                                                                      إسنادها أئمة .

                                                                                      وأبو هريرة إليه المنتهى في حفظ ما سمعه من الرسول - عليه السلام - وأدائه بحروفه . وقد أدى حديث المصراة بألفاظه ، فوجب علينا العمل به ، وهو أصل برأسه .

                                                                                      وقد ولي أبو هريرة البحرين لعمر ، وأفتى بها في مسألة المطلقة طلقة ثم [ ص: 620 ] يتزوج بها آخر ، ثم بعد الدخول فارقها ، فتزوجها الأول . هل تبقى عنده على طلقتين - كما هو قول عمر وغيره من الصحابة ومالك والشافعي ، وأحمد في المشهور عنه- أو تلغى تلك التطليقة ، وتكون عنده على الثلاث ، كما هو قول ابن عباس وابن عمر وأبي حنيفة ، ورواية عن عمر ، بناء على أن إصابة الزوج تهدم ما دون الثلاث ، كما هدمت إصابته لها الثلاث .

                                                                                      فالأول مبني على أن إصابة الزوج الثاني ، إنما هي غاية التحريم الثابت بالطلاق الثلاث ; فهو الذي يرتفع ، والمطلقة دون الثلاث لم تحرم ، فلا ترفع الإصابة منها شيئا . وبهذا أفتى أبو هريرة . فقال له عمر : لو أفتيت بغيره ، لأوجعتك ضربا .

                                                                                      وكذلك أفتى أبو هريرة في دقاق المسائل مع مثل ابن عباس ، وقد عمل الصحابة فمن بعدهم بحديث أبي هريرة في مسائل كثيرة تخالف القياس ، كما عملوا كلهم بحديثه عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال : لا تنكح المرأة على عمتها ، ولا خالتها .

                                                                                      وعمل أبو حنيفة والشافعي وغيرهما بحديثه : أن من أكل ناسيا ، فليتم صومه مع أن القياس عند أبي حنيفة : أنه يفطر ، فترك القياس لخبر أبي هريرة . [ ص: 621 ] وهذا مالك عمل بحديث أبي هريرة في غسل الإناء سبعا من ولوغ الكلب . مع أن القياس عنده : أنه لا يغسل لطهارته عنده .

                                                                                      بل قد ترك أبو حنيفة القياس لما هو دون حديث أبي هريرة في مسألة القهقهة ، لذاك الخبر المرسل .

                                                                                      وقد كان أبو هريرة وثيق الحفظ ، ما علمنا أنه أخطأ في حديث .

                                                                                      بقي بن مخلد : حدثنا أبو كامل : حدثنا عبد الوارث : سمعت محمد بن المنكدر يحدث عن أبي هريرة ، قال : إذا كان أحدكم جالسا في الشمس فقلصت عنه ، فليتحول عن مجلسه . [ ص: 622 ]

                                                                                      بقي : حدثنا طالوت بن عباد : حدثنا أبو هلال : حدثنا ابن سيرين ، عن أبي هريرة : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : لو آمن بي عشرة من أحبار يهود ، لآمن بي كل يهودي على الأرض .

                                                                                      إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس ، عن أبي هريرة ، قال : لما قدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم- قلت في الطريق :

                                                                                      يا ليلة من طولها وعنائها على أنها من دارة الكفر نجت



                                                                                      قال : وأبق لي غلام ; فلما قدمت ، وبايعت ، إذ طلع الغلام . فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم : هذا غلامك يا أبا هريرة ؟ قلت : هو حر لوجه الله فأعتقه
                                                                                      .

                                                                                      وروى أيوب ، عن ابن سيرين : أن أبا هريرة قال لبنته : لا تلبسي الذهب ; فإني أخشى عليك اللهب . [ ص: 623 ]

                                                                                      الزهري : عن سالم : سمع أبا هريرة يقول : سألني قوم محرمون عن محلين أهدوا لهم صيدا . فأمرتهم بأكله . ثم لقيت عمر بن الخطاب ، فأخبرته . فقال : لو أفتيتهم بغير هذا ، لأوجعتك .

                                                                                      زيد بن الحباب ، عن عبد الواحد بن موسى : أخبرنا نعيم بن المحرر بن أبي هريرة ، عن جده : أنه كان له خيط فيه ألفا عقدة ، لا ينام حتى يسبح به .

                                                                                      شبابة بن سوار : حدثنا عاصم بن محمد ، عن أبيه : رأيت أبا هريرة يخرج يوم الجمعة ، فيقبض على رمانتي المنبر قائما ، ويقول : حدثنا أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم- الصادق المصدوق . فلا يزال يحدث حتى يسمع فتح باب المقصورة لخروج الإمامة ، فيجلس .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية